ذاكرة الشملان وبحر الصدّيق
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
ونحن نجلس في مكتب الزميل رئيس التحرير الأستاذ خالد هلال المطيري صباح الخميس الماضي، وإذ بالزميل ناصر العتيبي مدير التحرير والحاضر دائماً يقرأ رسالة على هاتفه النقال مُبلغاً بوفاة المخرج خالد الصديق، عندها راح الحاضرون يستذكرون أعمال الرجل وتاريخه لا سيما إخراجه لفيلم “بس يا بحر” فما كان مني إلا أن أضفت على كلام الحضور أنني لم أنقطع عن التواصل معه عبر “الواتساب” حتى قبل يومين من وفاته، وأن العم سيف مرزوق الشملان له موقف ورأي حول هذا الفيلم، ولم يمض الوقت طويلاً إلا وينقل “أبو هلال” الخبر المحزن إلى الجميع، لقد توفي الآن العم بومرزوق! يا سبحان الله كيف تداعى الكلام بذكر الشخصين والاسمين هكذا، فما كان من “أبومتعب” وهو ملح الجلسة والمعروف بدماثة خلقه وتعليقاته إلا أن يخطف الكلام قائلاً: “كيف لك أن تتذكر اسم العم سيف الشملان في هذا الوقت ولم يكن أحد يدري أنه انتقل إلى رحمة ربه”! لقد كانت لي علاقات قريبة جداً مع الراحلين ومعرفة تمتد إلى سنوات طوال.
رافقت المرحوم العم بومرزوق في عدد من المحطات الفاصلة في مشواره، يوم فتح ملف “جرّة الصبية” والحديث عن آثار هذه المنطقة التي كان له فيها وقفة وقول، وأول من تناول هذا الجانب وكان لنا السبق في نشر الموضوع في “القبس”، ولن أنسى يوم ذهب لصاحب السمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، بعد أن كتب رسالة (وثيقة) يناشده فيها المحافظة على عدد من الدواوين المقامة على شارع الخليج العربي والإبقاء على هذا التراث إضافة إلى أسواق تاريخية في المباركية، وقد دعاني إلى ديوانهم المطل على البحر وفي إحدى الجلسات الصباحية حيث عبق التاريخ وأحاديث البحر والغوص التي لا تنتهي.
كنت أستمع إليه عندما نلتقي في مكتبي “بالقبس” بعد التحرير ويعيد على مسامعي خطاب المرحوم عبدالعزيز الصقر يوم 13 أكتوبر 1990 عندما وقف ليبايع أسرة الصباح الكريمة والحاكمة باسم أهل الكويت، وبأنه يوم تاريخي لا ينسى في الذاكرة، في الوقت الذي كان يحن فيه ويغتبط عندما يتحدث عن مرحلة الشيخ جابر العلي الصباح بوزارة الإعلام.
كتابه “صفحات من تاريخ الكويت” صدر بعدة طبعات والأهم هي الطبعة الأولى التي احتفطت بها والكتاب واحد من عدة إصدارات قدمها وتعب عليها ولأن كتابة التاريخ “أمانة” كما كان يقول لي لذلك حرص على أن تكون خالية من الأخطاء.
ما إن تجلس على مقعدك ويسرح نظرك في ما احتواه متحفه الخاص، حتى يأخذك في رحلة تاريخية تبدأ بعالم الغوص وتاريخ الكويت ثم تنتقل الى العثمانيين، وصوت السلطان عبدالحميد الثاني الذي رفض مغريات اليهود بالتنازل عن فلسطين مقابل مبالغ مالية، ثم يتوقف لحظات عن الشرح ويشير بيديه الى الحائط الذي لا يفصله شيء عن الشارع الرئيسي وكيف أن الجنود العراقيين لم ينتبهوا لما في داخل هذا الحائط، وكان الله هو المسلم من عبثهم وحقدهم، وبقي “متحف الشملان” الذي افتتح عام 1972 قابعا في شارع أحمد شوقي بالدعية، شاهدا على العصر.
ربما كان فيلم “بس يا بحر” الجامع المشترك بين من فقدناهما ولم يفصل بينهما من الزمن سوى دقائق معدودة، فهذا الفيلم الذي كانت سينما “الأندلس” شاهدة على أول عرض له يوم 27 مارس 1971 والذي يروي فيه الكاتب عبدالرحمن الصالح، مشاهد لحياة الكويت قبل النفط.
المرحوم خالد الصديق ذلك الوفي والصديق المغرم بكتابة السيناريو والكاره لأي معركة جانبية، متسامح وكل شيء عنده بتأن، تماماً كما هي عينه القادرة على التقاط مشاهد لا يراها غيره، شهرته في الواقع اكتسبها بالمقام الأول من فيلم “بس يا بحر” ولا أدري ما إذا كانت لها علاقة برحلته إلى الهند وهو في عمر الطفولة للدراسة، والمرحوم خالد الصديق يعترف بأن مهنته الوحيدة هي الكاميرا ووسيلته الممتعة في الحياة هي السينما، ومع ذلك غامر بتأليف كتاب ليعترف بعدها “أن السينما في الكويت تحتاج إلى واسطة”.
رحم الله العم المؤرخ سيف مرزوق الشملان والمخرج السينمائي الصديق خالد الصدّيق، وعزاؤنا لأسرتيهما الكريمتين وكلاهما من قامات أهل الثقافة والتاريخ والسينما في الكويت.