ينبغي التعامل جديّاً مع نظرية التسريب المعملي للفيروس
بقلم: فاي فلام

النشرة الدولية –

مع تبني الكثيرين من معتنقي ومروجي نظريات المؤامرة لوجهة النظر القائلة بأن فيروس «كورونا» المستجد تسرب من أحد المعامل، يبدو من المغري أمام الكثيرين رفض الفكرة من أساسها دونما تفحص. إلا أنه في الواقع من المهم للغاية التحلي بذهن منفتح حيال هذا الطرح، لأن إمكانية وقوع تسرب معملي لا تزال قائمة بالفعل، ويجب إجراء تحقيق بشأنها.

ويطالب عدد من الأشخاص الجادين بإلقاء نظرة أعمق على معهد ووهان لعلم الفيروسات. ورغم أنه ليس ثمة دليل يُذكر على أن التسريب المعملي يشكّل أصل الجائحة الراهنة، فإنه على الجاب الآخر ليس ثمة دليل يًذكر يشير باتجاه سيناريوهات أخرى. ورغم عثور علماء في وقت قريب على فيروسات ذات صلة نسبياً داخل خفافيش في لاوس، فإن هذا لا يطرح إجابة عن التساؤل المحوري الدائر حول كيف تسرب «سارس – كوف – 2» إلى داخل البشر.

اليوم، تعرضت هذه القضية للتسييس، وانقسم الناس على أنفسهم حول هذا الأمر إلى فريقين. والملاحَظ أن الفريق الذي يرجح فكرة التسريب المعملي ارتبط على وجه الخصوص بالتناول الإعلامي المثير. من بين الأمثلة على ذلك مقال افتتاحي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في وقت سابق من الشهر تحت عنوان «العلم يقترب من كشف منشأ كوفيد». ويبدو الخطأ الأول الواضح في هذا المقال أن العلماء لم يقتربوا من تحديد مصدر «كوفيد – 19».

تولى كتابة المقال الفيزيائي ريتشارد مولر، والطبيب المتخصص في أمراض سرطان الثدي ستيفن كواي، الذي سبق له تأليف كتاب حول أصل فيروس «كوفيد – 19».

في المقابل، لاقى المقال استنكاراً واسعاً من جانب عدد من علماء الفيروسات والخبراء المعنيين، بما في ذلك البروفسور ديفيد ساندرز من جامعة بيردو، والذي اتصل بي لشرح تفاصيل ما وصفها بأنها ادعاءات علمية زائفة ولغة تقنية غير منطقية.

ومع ذلك، فإن طرح حجة معيبة حول فكرة التسريب المعملي لا يمكن أن تؤخذ كدليل ضدها، بل إن ساندرز نفسه أقر بأنه لا يعتقد أن ثمة أدلة كافية حتى الآن لاتخاذ موقف مؤكد بخصوص أصل «كوفيد – 19»، ودعا إلى تحسين مستوى إجراءات الإشراف والسلامة داخل المختبرات التي تدرس الفيروسات.

في سياق متصل، يطرح عدد من العلماء حججاً منطقية لإجراء تحقيق أفضل في فكرة التسريب المعملي، وذلك عبر الإشارة إلى حقيقة أن الخفافيش التي تؤوي الفيروس الأكثر ارتباطاً بـ«سارس – كوف – 2» تعيش بعيداً عن ووهان، حيث جرى رصد الوباء للمرة الأولى.

جدير بالذكر هنا أن معهد ووهان لعلم الفيروسات يضم أكبر مجموعة من فيروسات الخفافيش في العالم. وبإمكان المعهد من جانبه تسوية الأمر عبر تيسير الوصول الكامل لمختبراته وجميع سجلات الفيروسات المخزّنة لديه والتجارب التي أُجريت عليها، بافتراض أن أياً من ذلك لم يتعرض للتدمير.

وتتمثل إحدى مشكلات المقال الذي نشرته «وول ستريت جورنال» الذي كتبه مولر وكواي في أنه خلط بين فكرة وجود تسرب من المختبر والنظرية القائلة بأن الفيروس قد جرى تعديله داخل مختبر. وتركز جوهر حجتهما في أن الفيروس بدأ يتكيف بشكل غير عادي مع التنسخ داخل أجساد البشر، وبالتالي من غير المحتمل أن يكون قد قفز مباشرة من نوع آخر من الكائنات الحية.

وتبعاً لما ذكره ساندرز، فإن هذا التأكيد «ببساطة خاطئ وسخيف وغير علمي». وأضاف أنه رغم كونه عالم فيروسات، فإنه لا يعرف ما الذي قصده الكاتبان بالادعاء بأن الفيروس «جرى استمثاله بنسبة 99.5% من أجل العدوى البشرية». لم تكن المشكلة أن الرقم كان مشكوكاً فيه فحسب، وإنما كذلك أن علم الفيروسات لا يتعرف على الاستمثال بوصفه خاصية قابلة للقياس الكمي على الإطلاق. وقال لي: «لا أعرف ما الذي يمكن أن يعنيه استمثال بنسبة 99.5%».

علاوة على ذلك، أشار المقال سالف الذكر إلى بعض الدراسات حول «جذع» الفيروس -مصطلح لم يألفه ساندرز. وكانت هذه مجرد بداية قائمة الشكاوى.

وعندما اتصلت بكواي، أحد مؤلفي المقال، ذكر أن «جذع» الفيروس مصطلح استخدمه زميله ريتشارد مولر على نحو خاطئ، بدلاً عن القسيم الفولفي. وأوضح كواي أن ادعاءه بخصوص «الاستمثال بنسبة 99.5%» استند إلى تحليل أجراه لورقة بحثية صدرت عن معمل العالم المختص بالأحياء التطورية جيسي بلوم من مركز «فريد هتشنسون لأبحاث السرطان» في سياتل. في هذا العمل، أدخل بلوم وزملاؤه آلاف الطفرات على فيروس «سارس – كوف – 2»، وقليل منها فقط جعل الفيروس أكثر كفاءة في إصابة البشر.

السؤال هنا: لماذا لم يفسر بلوم نتائجه بالطريقة نفسها التي فسّرها بها كواي؟ أجاب عن كواي ذلك بقوله: «قال إنه لم يحسبها قط، الأمر الذي أعتقده مريب بعض الشيء».

للأسف، تعذر التواصل مع بلوم للحصول منه على تعليق، رغم محاولته توضيح موقفه عبر سلسلة من التغريدات عبر «تويتر» خلال حلقة نقاشية استضافتها دورية «ساينس»، أواخر سبتمبر (أيلول). وأكد أن فكرة التسريب من المختبر لا تزال معقولة.

الواضح هنا أنه لا توجد حقيقة علمية مؤكدة، وإنما مجرد سؤال مفتوح مع العديد من الاحتمالات القابلة للتطبيق. وفي كل الأحوال، فإن عبء الإثبات هنا يجب أن يقع على عاتق أولئك الذين قد يعرّضون الناس لشيء خطير -مثل المواد الكيميائية الجديدة أو الأدوية الجديدة. وفيما يخص أي معمل يتعامل مع فيروسات خطيرة، يجب أن يقع عبء الإثبات على المعمل ذاته لإثبات أن ما يفعله يجري على نحو آمن بدرجة معقولة.

أما معهد ووهان لعلم الفيروسات، فلم يفعل ذلك ولم يقدم ما يكفي لإثبات أنه يعمل بأمان، وهذه حجة معقولة لصالح مواصلة التحقيق في احتمالية التسريب المعملي كأصل لفيروس «كوفيد – 19». والمهم هنا الحفاظ على التركيز على هذا الأمر، وليس على التكهنات غير المطّلعة ونظريات المؤامرة المنتشرة هنا وهناك.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى