البحث عن السر الكبير.. باختصار!
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
تدهورت أمور كثيرة بالكويت في السنوات الأخيرة، وشملت تقريباً كل مجال وقطاع، ولم تترك شيئاً يمكن أن نفتخر به كأمة، وكل ذلك بسبب تدهور التعليم. فتدمير بلد في العصر الحديث لا يتطلب احتلاله وتخريبه، أو ضربه بقنابل نووية، بل فقط تخريب التعليم فيه، وغض النظر عن الغش، حينها سيموت المريض بين يدي الطبيب وسينهار المبنى على رؤوس ساكنيه، وسيضيع الاقتصاد، وستنهار القيم وتتلف الإدارة الحكومية بالكامل! ما يحير بالفعل أن المعنيين بالأمر لم يدركوا ذلك حتى الآن، والحقيقة أن كل الدول التي تقدمت كان الفضل في تقدمها لنظامها التعليمي، وكل الدول التي انهارت كان السبب سوء نظامها التعليمي، وقد توجد أسباب أخرى، ولكن تبقى ثانوية.
انتبه بعض المسؤولين إلى استمرار تدني مستوى التعليم، فشُكلت اللجان وخرجت بتوصيات ولحقتها أخرى، وانتهت كلها للاشيء، وكان ذلك لسبب لا تعرفه إلا القلة.
جاء بعدها مسؤولون آخرون وقرروا الاستعانة بخبرات وتجارب الدول الأخرى والبنك الدولي، فكانت التجربة السنغافورية، حيث اطلعوا عليها عن كثب، كما تمعنوا في التجربة الفنلندية، وعن كثب أيضاً، وتجمعت كثبان التقارير وارتفعت، لتنتهي جميعها لسراديب الوزارة، وتضيع ملايين الدنانير التي صرفت عليها، ويستمر التدهور، والسبب لا تعرفه إلا القلة.
ضربتنا الكورونا فانكشف الواقع الأليم أكثر، فتنادت مجموعة من المواطنين، «المحروقة قلوبهم» على وضع التعليم لأخذ زمام المبادرة، بعيداً عن الحكومة، في محاولة لوضع حل لتخلفنا الخطير. ومن رحم المعاناة خرجت مبادرة وطنية لإصلاح التعليم وتطويره، شارك فيها أساتذة وخبراء تربويون، منهم إسراء العيسى، وعهود العصفور، وعلي الكندري، وفاطمة الهاشم، وعبدالله الفيلكاوي، وإبراهيم الحوطي، ويوسف المحميد، وبالتعاون مع مجموعة أكبر، حيث وضعوا عصارة أفكارهم وتجاربهم في مؤلف مكون من 156 صفحة مشخصين بدقة وضع التعليم، وانتهوا بمجموعة من التوصيات التي وضعت تحت تصرّف الحكومة ونظرها.
شاركتُ، بدعوة كريمة، في الندوة التي أقامتها المجموعة الرائعة أعلاه بغرض شرح مبادرتها، وشعرت بألم وأنا أقرأ القلق في عيونهم وحجم المسؤولية التي تصدوا لها وخوفهم من ضياع عملهم، الذي قضوا الكثير في إعداده، وصرفوا وبذلوا الأكثر على تحقيقه كي لا ينتهي مع كثبان التقارير التي سبقته.
مشاركتي في الندوة لم تكن من منطلق تربوي، لجهلي بهذا التخصص، بل من منطلق سياسي، وهذا الذي ربما لم تدركه كل الجهات التي تصدت لعملية تطوير التعليم. فقد تحالفت السلطة منذ أربعين عاماً، جهراً أو ضمناً، مع الإخوان، وسلمتهم مقاليد الأمور في التربية، ورأينا خلال عقود كيف عينت من جهة وزراء تربية ليبراليين، أو من يتشبهون بهم، مقابل تمكيين غلاة المتحزبين، من الإخوان والسلف، من سياسات التعليم والمناهج، وسمحت لهم بالسيطرة على عصب العملية التعليمية وهو المدرّس، ومنعت السياسيين من الاقتراب من «ممثليهم في الوزارة» أو تغييرهم، وحدث ذلك مع جميع وزراء التربية، إلا من احترم نفسه وترك، لعجزه عن فعل شيء.
كما أن سياسة الترضية داخل مجلس الأمة، ورضوخ الحكومة لطلبات النواب المحافظين، وقبول تعيين كبار قياديي التربية، حسب رغبات هؤلاء من دون اكتراث لما سيسببه من تم تعيينه «بالواسطة» من تخريب ودمار في عقول الأجيال القادمة، مع غياب تام لأية خطة تعليمية واضحة وملزمة للجميع وغير قابلة للتعديل.
نختم ونقول، مكررين ما سبق أن ذكرناه وكتبناه في عشرات المقالات والمناسبات، إن السر الكبير في تخلّف التعليم، وفقد أي أمل في أية نهضة تعليمية أو ثقافية أو حتى اقتصادية، يكمن في نفوذ التيارات الدينية العميق داخل الدولة.