أميركا والصين: مواجهة خطرة في منطقة الثروة والقوة
بقلم: رفيق خوري

الواضح أن الطرفين سيلجآن إلى "حرب العصابات السياسية"

النشرة الدولية –

العالم ينتقل من تحدي الأحادية الأميركية على القمة إلى تحديات الخصومة والتنافس والتعاون بين أميركا والصين وروسيا. لكن الأضواء مسلطة أكثر على “الهوس” الأميركي بصعود الصين و”الهوس” الصيني بإزاحة أميركا. فالرئيس جو بايدن يكمل ما بدأه الرئيس باراك أوباما وصعّده الرئيس دونالد ترمب: التركيز على الشرق الأقصى، حيث الثروة والقوة. والرئيس شي جين بينغ يريد أن تحتل بلاده “مركز المسرح” العالمي وتكون “قوة علمية كونية”. وهو واثق من “استسلام الغرب” أمام الدور الصيني في كل مكان. واللعبة ليست مجرد تحالف “أوكوس” الثلاثي بين أميركا وبريطانيا وأستراليا، في المحيطين الهندي والهادئ، وتحالف “كواد الرباعي بين أميركا وأستراليا واليابان والهند في مواجهة مشروع” الحزام والطريق، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والتفاهم الاستراتيجي بين الصين وروسيا. فهي أيضاً في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وهي اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية وتكنولوجية.

والدراسات الاستراتيجية تدور في معظمها حول “عقدة ثيوسيديس”، التي حذّر منها البروفيسور جوزف ناي، وهي خوف القوة الناجزة من أي قوة صاعدة والذهاب إلى المواجهة معها وصولاً إلى الحرب. وهذا صحيح وينطبق على نظرة أميركا إلى الصين، ورسم استراتيجية العلاقة مع أميركا تحت عنوان “أكبر تحدٍ جيوسياسي في القرن الـ21″، بحسب وزير الخارجية أنتوني بلينكن. لكن الوجه الآخر صحيح أيضاً، وهو أن العداء الصيني لأميركا قديم واستراتيجي، في حين أن التعاون تكتيكي. فحين انتصرت الثورة الشيوعية عام 1949 بقيادة ماو تسي تونغ، قاطعت واشنطن بكين ورفضت الاعتراف بها ودعمت “الصين الوطنية” في تايوان. وعندما اعترفت بها في السبعينيات، فإن الانفتاح الذي قرره الرئيس ريتشارد نيكسون كانت المبادرة فيه للزعيم الصيني الذي بعث برسالة سرية إلى الإدارة الأميركية مع صديقه الصحافي سنو. كان ماو عاجزاً عن المواجهة العسكرية مع الاتحاد السوفياتي الذي وجّه له صفعة قوية على نهر ميسوري، فأراد التفاهم مع واشنطن ضد موسكو، والتقى قراره بقرار أميركي لمواجهة السوفيات بالتفاهم مع بكين في لعبة “اثنين ضد واحد”. والمبادرة في الصراع الحالي هي من الصين بمقدار ما هي من أميركا. فالصين لا تنسى. وذاكرة أميركا قصيرة وانتقائية.

يقول راش دوشي، المسؤول عن الصين في مجلس الأمن القومي الأميركي، في كتاب “اللعبة الطويلة” إن ثلاثة أحداث أثارت قادة الحزب الشيوعي الصيني. أولها، الاحتجاجات الديمقراطية الشعبية في ساحة تيان آن مين عام 1989. وثانيها، الانتصار العسكري على صدام حسين في حرب “عاصفة الصحراء”. وثالثها، سقوط الاتحاد السوفياتي. ساحة تيان آن مين أعادت تذكير القادة بـ”التهديد الأيديولوجي الأميركي”. والنصر السريع في حرب الخليج أعاد التذكير “بالتهديد العسكري الأميركي”، وخسارة “خصم مشترك” أعادت التذكير بـ”التهديد الجيوسياسي الأميركي”. وهذا، في رأي مات بوتينجر، الذي كان نائباً لمستشار الأمن القومي بين 2019 و2021 في مقال نشرته “فورين أفيرز”، دفع بكين إلى رسم استراتيجية عظمى لمواجهة أميركا على مراحل: “من إضعاف النفوذ الأميركي في آسيا” إلى “الحلول محل أميركا في المنطقة”، وصولاً إلى “السيطرة على نظام كوني مفصل على قياس نظام الحكم الصيني”.

حين جرى لقاء في آلاسكا على مستوى رفيع بين أميركا والصين، فاجأ المسؤول الصيني يانغ جيتشي الوفد المقابل بالقول “أميركا لا تمثل الرأي العام العالمي”، و”الديمقراطية بالأسلوب الصيني” ستغلب “الديمقراطية بالأسلوب الأميركي”. أما الرئيس شي، فإنه طلب من كوادر الحزب الشيوعي في المؤتمر الـ19 زيادة “قوة القيادة الأيديولوجية”. والسؤال التقليدي هو: هل تتجه أميركا والصين إلى حرب؟ القلة تتصور سيناريو حرب إذا أراد شي تحقيق حلمه في استعادة تايوان بالقوة. والكثرة لا ترى فرصة لحرب شاملة، لا أحد يتخيل آثارها ومخاطرها في كل مكان. لكن الواضح أن الطرفين سيلجآن إلى “حرب العصابات السياسية”، التي قال جورج كينان صاحب نظرية “الاحتواء” إنها من أهم الوسائل لدى الاتحاد السوفياتي. ولا مجال لأن تنجح سياسة الاحتواء مع الصين لأنها “ظاهرة فريدة من نوعها ومندمجة في الاقتصاد العالمي”، بحسب الدبلوماسي وليم بيرنز، المدير الحالي للاستخبارات المركزية، في كتاب “القناة الخلفية”. ولا مهرب من مواجهة تحديات الصراع على القمة، حيث تطالب الصين بقمة للدول الخمس الكبرى لمناقشة التحديات العالمية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى