“حزب الله” يُنسي حكومة لبنان “حبّة الأسبرو” ويضمّها إلى “جمعية الأشرار”
بقلم: فارس خشّان
النشرة الدولية –
باسم تمكين الأم من تأمين “حبّة الأسبرو” لابنها المريض، أعلن نجيب ميقاتي، والدموع تملأ مقلتيه والحسرة تُجرِّح حنجرته، تشكيل حكومته في العاشر من سبتمبر الأخير، ولكن باسم “قبع” المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، شلّ “حزب الله” ومعه “حركة أمل” و”تيار المردة” هذه الحكومة، بعد شهر واحد على تشكيلها وثلاثة أسابيع على نيلها الثقة، وقبل أن تتوفّر، طبعاً، “حبّة الأسبرو” هذه.
في ذاك “اليوم البهيج” رجا “الرئيس الحزين” الإعلاميين الذين كانوا يسجّلون أدنى تأوّهاته، أن يضعوا السياسة جانباً، “فنحن نريد إقامة ورشة لتوفير الحدّ الأدنى للناس”.
“ما أطيبه مليارديراً بين مفقّرين”! قال البعض. “ما أحنّ قلبه”! قال البعض الآخر. “معه كل الحق! قال آخرون، فالإعلام، لعنة الله عليه، لا ينقل سوى الأخبار السيّئة ولا يركّز إلّا على ما يهدّ الحيل”.
ولكن بعد شهر على هذه “الموعظة الحسنة” ظهر بوضوح أن ميقاتي أخطأ، مثله مثل غالبية المسؤولين والسياسيين في لبنان، الهدف. لم يكن عليه أن يتحدّث مع الإعلاميين، بل مع هؤلاء الذين يوفدون الى حكومته وزراء من… أقنعة.
جلّ ما كان الإعلاميون يريدونه من ميقاتي هو أن يطمئن اللبنانيين الذين يتمّ الرمي بهم، زرافات ووحداناً، تحت خط الفقر، بأنّه يملك ضمانات من “صانعي الوزراء” بأنّهم سوف يبعدون أهدافهم السياسية، وبعضها خطير للغاية، عن الحكومة، ليبذلوا جهدهم في العمل على إعانة “الأم على توفير حبّة أسبرو لابنها المريض”
بعد شهر على هذا الحدث، اتضح أنّ ميقاتي كان يتذاكى، دفاعاً عن شغفه بالسلطة، فهو ارتضى أن يترأّس نسخة جديدة من تلك الحكومات التي قادت لبنان الى جهنّم، حيث لا همّ يمكن أن يعلو فوق إرادة تكريس هيمنة “حزب الله” على القرار الوطني اللبناني.
وقد عانى اللبنانيون الأمرّين من هذه النوعية من الحكومات، فهي تأتي تحت عناوين الإنقاذ المالي والإصلاح الإداري والعلاج الاقتصادي، ولكن سرعان ما تتفاقم الأوضاع على يديها، لأنّ هدف “الدويلة العميقة” التي يقف “حزب الله” خلفها، هو تقويض الدولة للحلول مكانها، ممّا يفاقم الفشل ويراكم التحديات ويصنع المآسي.
وهكذا، يتم نسيان “الأم” و”حبّة الأسبرو” ليتمّ التركيز، بدل ذلك على حماية “حزب الله” و”رفاقه” من التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، على اعتبار أنّ هذا الحزب يجب أن يبقى فوق القانون وأهم من الدستور وأسمى من القضاء وطبعاً أغلى من جميع الضحايا والمفجوعين.
ويستغل “حزب الله” الحكومات تحقيقاً لأهدافه. دائماً هو يقايض مصالحه الحزبية بمصلحة اللبنانيين. هو لا يسمح لهم بأن يحصلوا على كسرة خبز إن لم يتحكّم بهم وبالبلاد. يشلّ حكومات. يُسقط أخرى. يهجم عسكرياً على بعضها. يُهدّد المكوّنات الوطنية. يستعرض قوته العسكرية.
في الواقع، لا تكمن المشكلة الحقيقية عند “حزب الله”، بل عند هؤلاء الذين يتغاضون دائماً عن هذه المشكلة وتالياً يسمحون بفتح هوّة جديدة في الحفرة لاصطياد مزيد من اللبنانيين.
في الأيّام القليلة الماضية، واجه اللبنانيون حقيقة أوضاعهم في ظل “حزب الله” وهذه الطبقة السياسية الحاكمة. اكتشفوا أنّ ما يعانون منه أخطر من الحرب الأهلية التي يتنقّل شبحها بين الشوارع والمناطق. لقد رأوا أنفسهم ضحايا، مهما كانت عليه وضعية لبنان. هم ضحايا، بلا أي حيل، إن استمرّت الأمور على ما هي عليه. وهم ضحايا، بلا أيّ ذنب، إن تدحرجت الأمور الى مواجهة عسكرية.
مرعب أن يكتشف المواطن أنّه ضحية حتمية، مهما حصل!
لقد جرّبت الطبقة السياسية الحاكمة أو اللاهثة الى الحكم، كلّ “حيلها” في تعاملها مع “حزب الله”، ولكنّها، سواء اعترفت بذلك أو كابرت، لم تفشل فحسب بل كانت شريكة كاملة في التسبّب بالانهيار والكوارث الناجمة عنه.
وعليه، فإنّ الوقت قد حان لتجربة من نوع آخر: تعرية “حزب الله” من الغطاء الوطني، انطلاقا من ثابتة واضحة مفادها أن “حزب الله” والدولة في لبنان يستحيل أن يتعايشان، فهما يتناقضان ولا يتوافقان.
في واقع الحال، إنّ “حزب الله” هو الحاكم الفعلي، ولكنّه، نظرياً، يتبرّأ من هذه الحقيقة، متستّراً بأدوار يهبها آخرين، كما هي عليه الحال في رئاسات الحكومات وعدد من الوزارات والمديريات. هو يقرّر وهؤلاء يتحمّلون المسؤولية. هو يعطّل وهؤلاء يدفعون الثمن. هو يحارب وهؤلاء يؤدون الجزية.
لم يعد ممكناً أن يستمر اللبنانيون في هذه الوضعية التي تمتص دماءهم وتستنزف عافيتهم.
بعدما عاين اللبنانيون ما عاينوه، بات من الصعب التفريق بين جميع مكوّنات السلطة وبين “حزب الله”. هؤلاء، إن استمروا في شراكتهم التدميرية، يكونون في واقع الأمر واحداً أحداً، فما الفارق الفعلي بين من يخرّب وبين من يغطّي على المخرّب، وبين من يهدّد وبين من يتستّر على المهدّد، بين من يرعى جيشاً بديلاً ومن يبرّر هذه الرعاية.
في هذه الحالة التي يعيشها لبنان ما الفارق العملي بين “حزب الله” من جهة ورئيس الجمهورية ووزرائه ورئيس مجلس النواب ووزرائه ورئيس مجلس الوزراء ووزرائه وسائر مكوّنات السلطة، من جهة أخرى؟
أليسوا جميعهم يعملون، يداً بيد، في مصنع إنتاج الكارثة اللبنانية؟
في لغة القانون الجزائي هؤلاء شركاء. إنّهم مجموعة واحدة تتوزّع الأدوار المنتجة للضرر العظيم. إنّهم، فعلياً، “جمعية أشرار” تنطبق عليها مواد كثيرة في قانون العقوبات وتشرح ماهيتها أحكام المادة 335 من قانون العقوبات لأنّها “ترتكب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرّض لمؤسساتها المدنية والعسكرية والمالية والاقتصادية”.
قبل سنوات، وكانت البلاد لا تزال تتمتّع بشيء من العافية التي تعطي بعض السياسيين حرية التعبير عن مكنوناتهم العميقة، كان رئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يردّد:” لن تصلح حالنا إلّا إذا تواضع السيّد حسن نصرالله وتعاطى معنا من موقعه الحقيقي كرجل وليس من موقع الإله الذي يضع نفسه فيه”.
ما كان صحيحاً سابقاً، أصبح صحيحاً أكثر في هذه الأيّام، حيث يُنصّب نصرالله نفسه سيّداً على الجميع، من دون استثناء، معدّداً قوته العسكرية التي إن صحّ زعمه فهي تتفوّق على قوّة الجيش اللبناني.
أمام هذه الحقائق، لن يكون مستهجناً أن يصحو البعض على اتّخاذ قرار بالانسحاب من الحياة السياسية اللبنانية، لأنّ علاج أمراضها المستفحلة مستحيل بالتفاهم مع “حزب الله”، وأن ينتهج البعض الآخر استراتيجية مواجهة سياسية مفتوحة مع هذا الحزب لأنّ الخلاص بمشاركته وهم قاتل، وأن تتوقف غالبية الشعب اللبناني عن التيه في صحراء التفتيش الذليل عن القوت وتجد خلاصها الحقيقي في ثورة تقودها الأم التي تريد “حبّة أسبرو” لابنها المريض.