فاسدوا الأردن في ضيافة دانتي
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
استضافهم دانتي بعد أن أتعبوا الأردنيين الشرفاء الذين حاربوا فسادهم بكل قوتهم، استضافهم بعد أن سيطروا على مقدرات الدولة ونشروا فسادهم في شتى الأرجاء، وكان ظنهم أن دانتي الشاعر الرائع سيستضيفهم في فندق خمس نجوم، لا سيما أن الفاسدين في العصر الحالي ينتصرون على الشعب المقهور، والكاذبون يرتقون في المناصب، لذا يعتقدوا أنهم في الجنان سيسكنون، فهؤلاء أصدقاء الشيطان يُعظموا أعمالهم الخيرة القليلة، ويقزموا من خطورة نهبهم وسرقتهم للشعب والوطن، كونهم يعتقدون أن كل شيء محرم على غيرهم مُباح لهم، وحين يغادرون مناصبهم قبل الدُنيا يُدركون أنهم من أهل الجحيم، والجحيم ليس مجرد رواية لدان براون أو الملحمية الكوميديا الإلهية التي ألفها دانتي أليغييري بل واقع أليم سيرافقهم، وحتى إن هربوا ليكونوا ضيوفاً في ملحمة دانتي فسيجدون أنفسهم في المكان المناسب لأخلاقهم.
فالايطالي دانتي وضع الفاسدين في الدائرة الثامنة من دوائر الجحيم حيث المكان بعيد عن الجنة حتى لا يشتموا رأئحتها، بل ان الحد، الشهوة، الشرة، الجشع، الغضب، الهرقطة والعنف كانت أقرب للجنة من جماعة الغش من قوادين ومتملقين ومرتشين وسحرة ومنجمين وسياسيين ومسؤولين فاسدين ومنافقين وسارقين ومن المسؤولين الفسادين، ويأتي قبلهم وأقربهم للجحيم الخونة، وبما أن الفساد طريق للخيانة فإنهما على ذات البعد عن الأخلاق ومكارمها، وهي أوضع وأحقر صفات البشر، بل ان دانتي وضع الوثنيين الفاضلين من أمثال هرقليطس وبارمينيدس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وفيرجيل في مرتبه الحد التي لن يُسمح للفاسدين بالوصول إليها.
لقد أدرك دانتي خطورة الفاسدين على المجتمعات فقرر معاقبتهم في ملحمته الإلهية قبل ست عقود، ليقوم العالم بالسير على طريق دانتي ومعاقبتهم كما يستحقون في هذه الفترات الزمنية، ليكون نبذهم وسجنهم بل وقتلهم الطريق الأكثر أماناً للدول التي تجاوزت عصور الظلام صوب عصور الإنفتاح بمحاسبة جميع المسؤولين، وقد سبقت الأمة الإسلامية دانتي في معاقبة الفاسدين، لكن في عصور الإنحطاط تنازلت عن محاسبة الفاسدين وتطبيق قانون من اين ل هذا؟، لينتشر الفساد بطريقة غير مسبوقة، مع العلم ان الفاسدين قرأوا عن عقوبة الفاسد لكنهم لم يرتدعوا كون شهوات الحياة طغت على فكرهم، كما أنهم أمنوا العقوبة فنهبوا البلد، ليعلق دانتي الجرس من جديد ويبشرهم بالارسال للجحيم دفعة واحدة، ليستضيفهم في المكان الأقرب من العذاب كونه يتناسب مع ما صنعوا من عذابات للشعوب والأوطان.
وهنا نتوقف فإذا رفض دانتي التعامل مع الفاسدين واعتبرهم من أخطر المجرمين على الأرض، فيكف يتسابق أبناء الأردن للسلام والجلوس مع الفاسدين في السر والعلن، فمن يقوم بتعين موظف بالواسطة فاسد، ومن يحصل على عطاء من تحت الطاولة فاسد، ومن يتلاعب بأموال الدولة فاسد، ومن يشتري الأصوات للوصول لمجلس النواب فاسد، ومن يغش في الإمتحان فاسد، ومن يدافع عن الفساد من الإعلاميين فاسد مشهود له بالفساد، وتتعدد صور الفساد وتتزايد رائحته النتنة حتى أزكمت الأنوف، والسبب لأننا لا نُطبق قانون من أين لك هذا؟، والذي لو تم تطبيقه لما وسعت الدائرة الثامنة في جحيم دانتي لفاسدي الأردن لوحدهم، ليهتف دانتي بصوته الجهوري مرحباً بالفسادين :” أهلا بكم في جحيم دانتي”.