قوى سياسية في تونس تشكك بجدوى الحوار الوطني
النشرة الدولية –
الحرة –
بعد 3 شهور من قراراته بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، عزمه إطلاق “حوار وطني” لمناقشة النظامين السياسي والانتخابي في البلاد، في محاولة جديدة لحل الأزمة السياسية في البلاد.
كما أبلغ وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، الولايات المتحدة يوم الأربعاء، بأن سعيد سيتخذ خطوات جديدة من شأنها طمأنة شركاء تونس. وأكد الجرندي أهمية استمرار الولايات المتحدة في دعم تونس لمواصلة “المسار التصحيحي”.
فهل سيستطيع الحوار الوطني حل الأزمة السياسية المستمرة في البلاد منذ شهور؟
يقول المحلل السياسي والأكاديمي، الدكتور خالد عبيد، إن الحوار الوطني أمر ضروري، لأنه لا يمكن أن تحكم تونس من قبل شخص واحد أو مجموعة واحدة.
وأضاف عبيد في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن هذا الحوار يختلف عن سابقيه تماما، لأنه يعتمد بشكل أساسي على الشباب بعكس الحوارات السابقة التي تمت في 2013 و2016 و2017، التي اعتمدت على الأحزاب السياسية والمنظمات.
ووصف الرئيس التونسي الحوار المزمع عقده بـ”صادق ونزيه”. وأشار سعيد إلى أن هذا الحوار سيكون شبه استفتاء ويمكن أن يتم اجراء استفتاء بعد إعداد كل الضمانات ليحقق ارادة الشعب.
بدوره، يقول عضو مجلس شورى حركة النهضة، جلال الورغي، إنهم يرحبون بالحوار من حيث المبدأ، ولكنه شدد على “ضرورة أن يكون الحوار جديا وليس التفافا على المطالب المحلية والدولية التي تتطالب بالحوار لوضع خارطة طريق للأزمة في تونس”.
وأضاف في تصريحات لموقع “الحرة” أن الحركة تعتبر كل دعوة للحوار هي سبيل لحل الأزمة في البلاد، وأشار إلى أن “إعلان الحوار جاء بطريقة منفردة من الرئيس التونسي دون التشاور مع الأطراف السياسية، بما يكرس لرؤيته الفردية”.
أما الملحق الإعلامي للأمين العام لاتحاد الشغل، غسان القصيبي، فيرى أنه لا بديل عن الحوار وإرساء نقاش تونسي-تونسي.
وأضاف في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن الاتحاد يرحب بأي حوار يفضي إلى نتائج حقيقية تخرج البلاد من الفترة الغامضة التي تعيشها البلاد. وتابع: “المهم إيجاد الحلول في إطار تشاركي ديمقراطي. نحن نريد حوارا يفضي إلى نتائج ولا يفضي إلى أزمة جديدة”.
من جانبه، قال المحلل السياسي كمال بن يونس، إن الدعوة للحوار مطلب وطني نادت به جميع القوى السياسية والأحزاب في تونس. ولفت إلى أن هذا الحوار يشبه حوار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2010، وإعلانه إطلاقه حوار مع الشباب، الذي قالت السلطات وقتها أنه جذب مشاركة مليوني شاب تونسي،.
وظهر الخلاف الحاد والصراع السياسي في البلاد منذ شهور بين الرئاسة والحكومة والبرلمان ما أدخل البلاد في دوّامة تعطلت على إثرها عجلة الدولة.
وفي 25 يوليو، أعلن سعيد تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولي السلطات في البلاد، بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوله اتخاذ تدابير في حالة “خطر داهم مهدد لكيان الوطن”.
وفي 22 سبتمبر، صدرت تدابير “استثنائية” بأمر رئاسي أصبحت بمقتضاه الحكومة مسؤولة أمامه فيما يتولى بنفسه إصدار التشريعات عوضا عن البرلمان، ما اعتبره خبراء تمهيدا لتغيير النظام السياسي البرلماني في البلاد الذي نص عليه دستور 2014.
كما قرّر سعيّد رفع الحصانة عن النواب وتعليق رواتبهم والمنح المالية التي كانوا يتقاضونها.
وفي 11 أكتوبر، أقر سعيد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، والمؤلفة من 24 وزيرا، بينهم 9 سيدات.
لدى لقاء سعيد بوزير تكنولوجيا الاتصال، نزار بن ناجي، الجمعة، قال سعيد إن الحوار سيكون عبر تطبيقات رقمية للتواصل بشكل مباشر مع التونسيين واجتماعات مباشرة مع المواطنين في كل معتمديات البلاد لبلورة التصورات والمواقف والمطالب المطروحة من قبل التونسيين بشكل مباشر.
وأوضح الرئيس التونسي إن “الشباب في كامل التراب التونسي” سيشاركون في الحوار الوطني. وشدّد على أن الحوار “لن يشمل كلّ من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمّته إلى الخارج” ، وفق بيان صادر عن مؤسسة الرئاسة.
كما توقع عبيد أن تشارك القوى الشبابية وبعض المنظمات والمؤسسات الوطنية والسياسية التي ساندت رئيس الجمهورية في قراراته، بالحوار واستبعد مشاركة حركة النهضة في هذا الحوار، وقال: “حتى وإن رغب رئيس الجمهورية في مشاركة حركة النهضة، فإن جزء كبير سيرفض ذلك ويرفض نتائجه”، بحسب قوله.
وأشار إلى أنه سيشارك فيه كل محافظات ومناطق الجمهورية التونسية عن بعد، فضلا عن الاستمارات التي سيتم توزيعها على الشباب لجمع اقتراحاتهم.
يقول الورغي إن حركة النهضة لا تزال تنتظر أن يبادر رئيس الجمهورية بإعلان طبيعة الحوار والقضايا التي سيتناولها، قبل أن تقرر مشاركتها في الحوار أم لا، مضيفا “نحن نريد حوارا جديا”.
وأضاف بن يونس أن دعوة سعيد جاءت للشباب والتنسيقيات التي تعبر عنهم في المدن فقط، وليس للأطراف والأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن “سعيد من قبل انتخابه، وحتى الآن غير مقتنع بالأحزاب والجمعيات والنقابات، ويرى بعضها متورطا في تمويل خارجي وشبهات فساد”.
بدوره، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، اليوم السبت، إن الديمقراطية لا تكون دون أحزاب، ومعاقبة الأحزاب تكون عبر صناديق الاقتراع و لايمكن استبدالها باللجان الشعبية.
و دعا الطبوبي إلى ضرورة توضيح الخيارات السياسية للمرحلة المقبلة والحوار دون إقصاء .
وقال القصيبي إن العالم بأسره يقر أنه لا حوار وطني في تونس دون مكونات المجتمع المدني، في مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل، مشيرا إلى أن ما أقره البرلمان الأوروبي في لائحته الخاصة بالوضع في تونس رسالة واضحة للجميع في الداخل وفي الخارج.
وكان البرلمان الأوروبي قد أصدر قرارا، الأسبوع الماضي، دان فيه استئثار سعيد بالحكم، ودعا لحوار وطني شامل وفعال يشمل مكونات المجتمع التونسي.
“لن يكفي”
أما عن إمكانية أن يساهم الحوار في حل الأزمة السياسية بالبلاد، فيرى يونس أنه خطوة جيدة ولكنها ليست كافية لحل الأزمة. ويؤكد أن أي اتفاق أو تفاهمات سيخرج به حوار سعيد مع الشباب لن تؤثر على المشهد السياسي، وسيبقى الأمر كما هو عليه.
وأرجع ذلك إلى أن الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة في المشهد لسياسي التونسي لكن تكون مدعوة. وأوضح أنه في حالة دعوتها لن تشارك في حوار تتحكم فيه مؤسسات الرئاسة.
ويقول الورغي إن هذا الحوار “يقفز على المشهد السياسي والقوى الوطنية، ويكرس الأزمة السياسية في البلاد ويعقدها بدلا من حلها”.
لكن النائب السابق، مراون فلفال، يرى أن هذا الحوار خطوة أساسية لحلحة الوضع السياسي المتأزم في البلاد والذي أدى إلى قرارات 25 يوليو.
وقال فلفال في تصريحات لموقع قناة “الحرة” إن حوار الرئيس قيس سعيد يعتمد على مبدأ المشاركة للشعب في الحوار من خلال الشباب، لضمان وصول رأي الناس إلى السلطة مباشرة.
وأكد أنه لكي يكون الحوار ناجحا وفاعلا، لابد من أن يجمع المنظمات والشخصيات الوطنية التي تعبر عن العمال والفلاحين، وكذلك الأحزاب السياسية.
من جانبه، قال عبيد أنه لا يمكن التكهن بقدرة الحوار على حل الأزمة السياسية، ويجب الانتظار حتى يتم استخلاص النتائج.
أما عن الملفات التي سيتناولها الحوار، فنقلت وكالة الأنباء التونسية عن سعيد قوله إن هذا الحوار “سيتم في إطار سقف زمني متفق عليه وضمن آليات وصيغ وتصورات جديدة في إطار مؤتمر وطني”. وأكد أن هذا الحوار سيكون “مختلفا تماما عن التجارب السابقة” إذ يتطرّق إلى عدّة مواضيع أهمها النظامان السياسي والانتخابي في البلاد.
ويقول فلفال إن الحوار سيناقش قضيتين أولهما: الوضع الاقتصادي ومجالات الإصلاح، لأنه هذا الإصلاح هو الذي سيضم للدولة سيادتها وللشعب رفاهيته. وثانيا: النظام السياسي الذي سيخلص البلد من أزمتها الحالية، ويحقق مبدأ المسؤولية والمحاسبة.