ألطاف.. الرقيقة الصلبة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
عرفتها في بيت أبيها، صديق العمر المرحوم داوود سليمان، طفلة بالكاد تمشي بضع خطوات، ذات وجه ملائكي وابتسامة لم أعرف يوماً أجمل منها، بقيت لصيقة بنا حتى اليوم.
شاءت الظروف تالياً أن تصبح تلك الطفلة أعز صديقات ابنتنا الوحيدة جوانا. وكان وجودها بيننا يومياً أمراً مثيراً للبهجة، إلى أن فرّقت مسارات الزمان بيننا، وبقي التواصل، وبقيت المحبة في القلوب.
رقتها وبُنْيَتها الصغيرة لم توحيا يوماً بأنها ستكون في عداد أبطال الرياضة، لكنني كنت، كالعادة، على خطأ في الحكم على الآخرين.
بدأ شغف ألطاف سليمان بالركض لمسافات طويلة في نوفمبر 2013 عندما شاركت وأكملت ماراثون بيروت. ولكن بعد المعاناة التي لقيتها في تلك التجربة طلبت من صديقاتها عدم التردد في صفعها إذا قررت خوض أي سباق آخر، ليعيدوها لوعيها، ولم تدرك حينها أن تلك التجربة لم تكن إلا بداية شغف استمر معها حتى اليوم، وسيبقى معها للأبد.
كانت البداية عام 2014 عندما سمعت بسباقات ماراثون أبوت العالمية، وأن أولها سيقام في نيويورك، وستتبعها خمسة سباقات أخرى، على مدى سنوات عدة، في عواصم أخرى، قبل الفوز بقصب السبق.
أعجبت ألطاف بالفكرة وبدأت بالتخطيط للأمر مستفيدة من تجربتها في سباق بيروت، ووضعت برنامجها للسنوات التالية بتصميم واضح لكي تكمل اجتياز الماراثونات الستة، وكان لها ما أرادت حيث شاركت في نيويوررك ونجحت، وبعدها شاركت في ماراثون لندن، أبريل 2016، ثم في طوكيو، فبراير 2017، وبرلين، سبتمبر 2018، وشيكاغو، أكتوبر 2019. وبعدها ضربت جائحة كورونا العالم فتأجلت السباقات. وأخيراً نجحت قبل أيام في اجتياز ماراثون بوسطن، الأخير بالنسبة لها، لتضمن مكانتها بين حاملي ميدالية النجوم الستة المرموقة.
لمعرفة قيمة هذه الجائزة وما بذل من جهد لنيلها علينا فَهم متطلبات التأهيل لها، بخلاف تكلفتها المالية والمعنوية والأسرية الكبيرة على المشاركين فيها، حيث يتطلب إكمال أي ماراثون من الستة تدريباً أسبوعياً مستمراً لسنتين قبل كل سباق، وتنفيذ خطة صارمة للغاية تتضمن الجري لتحسين المهارات وكسب القدرة على الجري لمسافات، وتحسين السرعة واللياقة العالية، وكلها تشكل تحدياً لأي متسابق، وخاصة لألطاف، حيث كان عليها التدريب على الجري خلال أشهر الصيف الحارقة في الكويت، والبدء في الثالثة صباحاً لتجنُّب الحرارة الشديدة، والتخفي بزي صبي لتجنب المضايقات، هذا بخلاف التزامها بعملها الحكومي، وبالتالي لم يكن الأمر سهلاً أبداً، خاصة أن رحلة الفوز ستمتد لسنوات طوال. لكن مع الوقت ومع كل نجاح كانت تكتسب ثقة أكبر وتصميماً أقوى على الاستمرار، خاصة أنها كانت تهدي كل فوز لروح من تحب، فكان الفوز الأول لروح والدها داوود الذي فقدته قبل الأوان، والأخير لروح لولوة الدعيج، ابنة صديقتها فرح التي توفيت في حادث مرور مأساوي، وهي طفلة صغيرة.
تعتبر سباقات ماراثون أبوت العالمية الستة، التي تقام في ست مدن محددة، من أشهر سباقات الجري في العالم، والرائع فيها جانبها الإنساني بخلاف الرياضي المهم، حيث يحق لجميع العدائين المحترفين وهواة الجري وذوي الإعاقة المشاركة فيها، ولكن قلة فقط الذين يفوزون بميدالية النجوم الستة.. وهو الإنجاز اللامع الذي دفعنا للتوقّف عنده باحترام وكتحية لألطاف سليمان، كونها أول كويتية وخليجية تُنهي هذه السلسلة العالمية الكبرى للماراثون.