القرار العربي رهين المحبسين ..ولا أمان إلا بالحرية
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
تصبح الدول في خطر حين تمتليء الشوارع بالعاطلين عن العمل، وتزداد الخطورة حين لا يشاهدون بارقة أمل، فيعلوا الغضب الساكن تحت الرماد ويصبح الخوف من نسمة هواء تُشعل النيران، وقد تستعيد المجتمعات المكلومة قصة الرئيس الروماني تشاوشيسكو حين كان يلقي كلمة في الشعب القمهور، فصرخت عجوز “كذاب” لينضم إليها بعض الأصوات تصدح معها ب”كذاب”، ثم ارتفع الرقم إلى ألف ليصل الرقم إلى مئة ألف يصرخون بصوت مرتفع “كذاب”، ليهرب تشاوشيسكو قبل أن يُلقي الجيش القبض عليه ويسلمه وزوجته للثوار الذين أعدموهما، ولا يزال الربيع العربي صورة ماثلة لما جرى من قتل لرئيسي اليمن وليبيا وإبعاد الرئيس المصري واتهام الشعب لهم بالكذب وسرقة البلاد واستعباد العباد، لنجد ان ما جرى قد أوجب على الدول أن تغير طريقة التفكير في المفهوم القديم للأمن، كون الديكتاتورية والقبضة الحديدية والأمنية لا تضمن الأمان بل تُشعل الفتن والحروب، فالعالم الحُر وضع مقاييس للديموقراطية والإنتقال السلس للسلطة وتبادلها، وفرضت على الدول الباحثة عن الإنضمام للعالم الحديث أن تُجري تغيرات في طريقة إدارة الدولة لتصبح جزءاً من العالم الجديد.
ووضعت الولايات المتحدة مفهوم شمولي جديد للأمن، وربطته بالدفاع والتنمية والديموقراطية حتى تُشكل الرؤيا الأشمل لأمن مجتمعي مناطقي دولي، وبالتالي تم ضمان أن لا يتحول الفكر إلى حرب بين صُناع الإستبداد والباحثين عن الحرية، ولن تجري حروباً مفتوحة تشمل جميع الجهات، يكون فيها الجميع خاسرون كونها قد تستمر لسنوات طوال كما يجري في ليبيا وسوريا والعراق، وهذه الدول ضلت طريق الحرية وبناء الأسس الديموقراطية، كون شعوبها وقياداتها لم تتطلع للأمام ولم تعقد العزم على التغيير في التوقيت المناسب، بل لم يضعوا أنفسهم في المقدمة للدفاع عن قيم دولهم واسلوب حياتها، فضاعت القيمة واختفى اسلوب الحياة، واليوم تعتبر لبنان في مرمى نيران الحرب القادمة والتي إذا إشتعلت سيضيع المجتمع اللبناني ولن يجد نفسه لفترة طويلة، ليبقى الأمل بظهور المدافعين عن قيم الدولة وثقافة المجتمع وتاريخه الوطن، وربما يكون الظهور المفاجيء لهؤلاء في أجواء الظلام السائدة بمثابة الشرارة التي ستشعل حرب يقودها باحثون عن خدمة آخرون على حساب لبنان.
لقد كان الفساد هو سبب الثورات التي حملت مسمى الخريف الدموري، في وقت أوصل الضجيج العربي سياسيين غير أكفاء لمناصبهم بالغش ، لتتحول عديد الدول إلى إقطاعات داخلية متنافسة فضاعت هيبتها، وضاع معها الشعب الذي أصبح يبحث عن نفسه في أجندات الفاسدين كرقم وليس كأصل ثابت، لتتحقق النظرية التي خطها برفيسور في جامعة بجنوب افريقيا حين كتب “تدمير اي أمة لا يحتاج لصواريخ بعيدة المدى، بل بتخفيض نوعية التعليم فينجح الطلبة بالغش، فيموت المريض على يد طبيب نجح بالغش، وتنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش، ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش، ويضيع العدل على يد قاضي نجح بالغش، ويتفشى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش”.
إن هذا هو الوضع الأليم للعالم العربي التائه عن بوصلته التي يجب أن تتجه دوماً صوب القدس، وإن تغيرت فستتغير معايير الدول وفكرها ونهجها وتضيع بين الفكر القام من شتى الإتجاهات، وهذا ما حصل في أمة العرب حين تولى المناصب رجال دون الطموح والأمل ليكونوا عوناً للأعداء في ضياع الأجيال، فأضاعوا التعليم والصحة والبناء، لتضيع الدول ولتصبح بحاجة إلى عملية بناء جديد حتى تبقى واقفة على قدميها، لكن بعد أن أصبح القرار العربي رهين المحبسين بسجن العلماء وإصابة أصحاب المناصب بالعمى، ولن يسمح الغرب لأمة العرب أن تعيد بناء ذاتها، كون المطلوب أن تبقى أمة هامشية تأكل مما لا تزرع، وترتدي ما لا تصنع، ولا تملك ثرواتها لتكون مجرد رقم متنحي قابل للزوال يحرس مال الغرب الذي يتصدق على بقية الأمة بجزء منه، لنقول للغرب شكراً على كرمكم.