انخفاض تاريخي لليرة التركية.. محللون: تصريحات إردوغان تهدد بعواقب وخيمة
النشرة الدولية –
الحرة –
يبدو أن الأزمة الدبلوماسية التي بدأها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال الأيام الماضية بدأت تظهر نتائجها سريعا على الاقتصاد، وفقا لما يراه محللون.
وشهدت الليرة انخفاضا قياسيا جديدا بعد أن كانت قد تعرضت لضغوط بالفعل بعد خفض أكبر من المتوقع في سعر الفائدة الأسبوع الماضي.
وتراجعت الليرة التركية بأكثر من 1.5 في المئة، وبلغ سعر الدولار الواحد ما يقارب عشر ليرات بعد يوم واحد من إعلان إردوغان بأنه أمر بطرد سفراء الولايات المتحدة وتسع دول غربية أخرى.
وجاءت تصريحات إردوغان، ردا على بيان صدر الاثنين الماضي، جددت فيه كل من كندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنروج والسويد والولايات المتحدة، إلى “تسوية عادلة وسريعة لقضية” عثمان كافالا، رجل الأعمال والناشط التركي المسجون رهن المحاكمة منذ أربع سنوات.
أزمة سياسية واقتصادية
وتتزامن الأزمة الدبلوماسية مع مخاوف المستثمرين من انخفاض قياسي في قيمة الليرة التركية بعد أن دفعت ضغوط من إردوغان استهدفت تحفيز الاقتصاد البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس في الأسبوع الماضي.
لكن بدلا من أن تعالج خطوة البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة في علاج التضخم، ساهمت في انهيار العملة، بعد أن أتى الخفض بضعف الحجم المتوقع في الأسواق المالية، بحسب “فاينانشال تايمز“.
وتشير وكالة بلومبيرغ إلى أن دعوة إردوغان لطرد سفراء الدول العشر تتزامن مع استطلاعات للرأي تشير إلى أن “قاعدة دعم إردوغان تتآكل مع ارتفاع تكاليف المعيشة”.
وتقول الوكالة “يكمن الخطر في أن خطابه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم تلك الخلفية الاقتصادية الهشة”.
ونقلت عن كبير محللي العملات في “إن تاتش كابيتال ماركتس”، بيوتر ماتيس، أنه “من المرجح أن يزيد قراره من ضغط البيع على الليرة، مما سيكون له عواقب سلبية على التضخم”.
وفقدت الليرة 23 في المئة من قيمتها مقابل الدولار هذا العام، وهو أسوأ أداء في الأسواق الناشئة.
وقال معارضون سياسيون لإردوغان، إن تعليماته بطرد سفراء عشر دول غربية حليفة لأنقرة كانت محاولة لصرف الأنظار عن متاعب تركيا الاقتصادية بينما عبر محللون عن أملهم في تجنب طردهم.
وأعلن إردوغان يوم السبت أنه أمر باعتبار السفراء العشرة “أشخاصا غير مرغوب فيهم” لمطالبتهم بالإفراج عن كافالا. وإلى الآن لم تنفذ وزارة الخارجية التركية تعليمات الرئيس التي ستتسبب، في حالة تنفيذها، في أعمق خلاف مع الغرب خلال حكمه المستمر منذ 19 عاما.
من جهته، أشار كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي، في تغريدة إلى أن إردوغان “يجر البلاد بسرعة إلى الهاوية”.
وأضاف أن “السبب في هذه التحركات ليس حماية المصالح الوطنية بل إيجاد أسباب مصطنعة لتخريب الاقتصاد”.
ويضع الخلاف الجديد، إردوغان في موقف حرج، حيث تأتي تصريحاته قبل أسبوع واحد فقط من انعقاد قمة مجموعة العشرين في روما، حيث يأمل الرئيس التركي أن يجتمع مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وقادة آخرين في العالم، كما تأتي قبل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في غلاسكو نهاية الشهر الجاري، بحسب صحيفة “الغارديان“.
ورفضت معظم الدول المعنية التعليق على القضية، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن كانت على علم بالتقارير وتسعى للحصول على توضيح من وزارة الخارجية التركية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية النرويجية، ترود ماسيدي، لرويترز إن “سفيرنا لم يفعل أي شيء يستدعي الطرد”.
وأكد مصدر دبلوماسي تركي لرويترز أنه “لم تصدر أي تعليمات للسفارات” مضيفا أنه من المحتمل اتخاذ قرار في اجتماع لمجلس الوزراء يوم الاثنين.
ويُنظر إلى قضية كافالا رفيعة المستوى على أنها رمز لحملة قمع المعارضة في عهد إردوغان، وقد تمت مراقبتها عن كثب من قبل الدبلوماسيين الغربيين وجماعات حقوق الإنسان لسنوات.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية دعت في العاشر من فبراير الماضي تركيا إلى الإفراج الفوري عن كافالا.
وقالت في بيان إن “التهم الخادعة ضد كافالا واستمرار اعتقاله والتأخير المستمر في إنهاء محاكمته، بما في ذلك من خلال دمج القضايا المرفوعة ضده تقوض احترام سيادة القانون والديمقراطية”.
وحث البيان “تركيا على الالتزام بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وضمان حل عادل وشفاف وسريع للقضية بما يتماشى مع قوانينها المحلية والتزاماتها الدولية”.
وتتهم السلطات التركية المعارض البالغ من العمر 64 عاما، والذي يعتبر من أبرز شخصيات المجتمع المدني، بالسعي إلى زعزعة استقرار تركيا.
في ديسمبر 2019، أمرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بـ”الإفراج الفوري عنه”، لكن لم ترد أنقرة على طلبها.
وولد رجل الأعمال الثري في باريس. وقد أبقي قيد الاعتقال في مطلع أكتوبر بقرار من محكمة في إسطنبول اعتبرت أنه “تنقصها عناصر جديدة للإفراج عنه”. ومُدد توقيفه حتى 26 نوفمبر.
ودعم كافالا، في 2013، التظاهرات المناهضة للحكومة التي عرفت باسم حركة جيزي واستهدفت حكم إردوغان حين كان رئيسا للوزراء. ثم اتهم بمحاولة “الإطاحة بالحكومة” خلال الانقلاب الفاشل في 2016.
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس، الأسبوع الماضي، اعتبر كافالا أن اعتقاله يسمح لسلطة إردوغان بتبرير “نظرية المؤامرة”.
وقال من سجنه عبر محاميه: “أعتقد أن السبب الحقيقي وراء اعتقالي المستمر هو حاجة الحكومة إلى الإبقاء على رواية ارتباط احتجاجات جيزي (2013) بمؤامرة أجنبية حية”.
وأضاف “بما أنني متهم بكوني جزءا من هذه المؤامرة المزعومة التي نظمتها قوى أجنبية، فإن إطلاق سراحي سيضعف هذه الرواية المشكوك فيها، وهذا ليس شيئا ترغب به الحكومة”.
وهدد مجلس أوروبا أخيرا أنقرة بعقوبات يمكن إقرارها خلال دورته المقبلة التي ستعقد بين 30 نوفمبر والثاني من ديسمبر، إذا لم يتم الإفراج عن المعارض حتى ذلك الحين.
ويتعرض إردوغان باستمرار لانتقادات من قادة أوروبيين وأميركيين بشأن مسألة حقوق الإنسان والحريات الفردية، لا سيما منذ محاولة الانقلاب في 2016 وموجة الاعتقالات والسجن التي تلتها.