عن شيء ما ..بقلم قطة

حنان بديع

النشرة الدولية –

من يشعر بقطة تقطع الشارع أو تمشي على رصيف أو تبحث في حاوية قمامة، اعتدنا نحن القطط على الشعور بأننا غير مرئيين حتى بتنا لا نتوقع الرحمة، هذه «الرحمة» يبدو أن مفهومها نسبي لدى البشر.

كان جسدي يرتجف وروحي تذوب تحت جلدي، كُنت بحاجة للصراخ لكن صوت موائي لا يصل لأحد، أفتقد أمي التي ذهبت لتبحث عن طعام ولم تعُد، لم يبحث عنها أحد سواي، من يشعر بقطة تقطع الشارع أو تمشي على رصيف أو تبحث في حاوية قمامة، اعتدنا نحن القطط على الشعور بأننا غير مرئيين حتى بتنا لا نتوقع الرحمة، هذه «الرحمة» يبدو أن مفهومها نسبي لدى البشر، جلست وقتًا طويلًا تحت جذع الشجرة لا أعرف كم مرّ من الوقت، بدأ الجوع يقطّع أحشائي وأدركت أن لا رضاعة بعد اليوم، لم يكن عمري يتجاوز الشهرين وكان صغر حجمي وسني يغري الأطفال بالاقتراب مني واللعب معي أو بي!

لاحقًا اكتشفت أنه لا فرق، فقد التقطتني طفلة كانت تلهو أمام باب المنزل المجاور للشجرة التي كنا نختبئ تحتها أنا وأمي وإخوتي الذين ماتوا واحدًا تلو الآخر، في المرة الأخيرة التي شدتني فيها من ذيلي تألمت كثيرًا وصرخت بشدة، ودون أن أشعر حاولت أن أعض يدها لتتركني لكنها بكت وصرخت وذهبت تشكو لأمها، غضبت الأخيرة وطردتني، ذهبوا بي بعيدًا في السيارة، تركوني في منطقة لا أعلم ما هي، أناس غرباء، أطفال أشقياء، سيارات وأصوات، دخان وقمامة، ما هذا المكان الغريب؟

بدأ الجوع يعصرني فأنا لا أجيد البحث عن طعام، فقد كانت صديقتي الصغيرة رغم شقاوتها وقسوتها تضع لي بعض الطعام، عدت أشعر بالخوف، والجوع والرعب، فقد أصبح المشي في الشارع أمام البشر مغامرة أخشاها، فإما أن يرميني الأطفال بالحجارة أو أن يضربني أحدهم بقدمه أو أن يرمي على جسدي السجائر ليرى إن كان يجيد الرماية وفي أحسن الأحوال يتجاهلون وجودي وموائي.

مرت أيام من عمري لا أدري عددها لكنها قليلة جدًا بدت قاسية وطويلة، اعتدت فيها على الاختباء خلف أي شيء والمشي حين تخلو الشوارع منهم.

ثم لا أدري كيف حدث أن تجرأت على قطع الطريق، كنت آمل أن أجد مكانًا آخر تكثر فيه القمامة لعلني أجد شيئًا ما صالحًا للأكل، أو غير صالح.

لكن سيارة مسرعة قذفتني إلى الجهة الأخرى من الشارع فوقعت على رصيف الإشارة الضوئية، كنت أنزف وحدي وأصرخ وأنازع ثم أحاول أن أرفع رأسي فلا أرى سوى عجلات السيارات وأضواء الإشارة الضوئية التي أذكر أنها كانت حمراء..

كان المطر يهطل بشدة، وكنت غارقة في بركة من ماء المطر الممزوج بدمي، انتبهت إلى أن الإشارة أصبحت خضراء، ضاع معها الأمل في أن يلاحظني أحد رغم أن مئات العيون كانت تنظر من نوافذ السيارات، بدأت أطرافي تبرد وشعرت بروحي تتلاشى، كل ما كنت أذكره هو صوت الرعد والمطر، وعبق القسوة، ورائحة باردة غريبة..

كان جسدي الصغير يموت، وموائي يضعف، ورعبي يتحول إلى دموع..

و.. وبدا وكأن المكان فارغ ومزدحم.. وكأن لا أحد يراني على الإطلاق!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى