السودان انقلاب الـلاغالب والـلامغلوب
بقلم: تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

قد تنتهي المواجهات بين الجناحين المدني والعسكري في السودان، بلا غالب ولا مغلوب؛ ليرجع الطرفان ،سريعا، إلى حالة المراوحة التي عاشها السودان منذ إسقاط حكم الرئيس السابق عمر حسن البشير . فالجناح المدني الذي اعتِقلت رموزه بالأمس لديه شرعية دستورية وسياسية أسست لشراكته مع السلطة العسكرية، وتمكنه من مقاومة قرارات العزل واستعادة مكانه في السلطة.

أما الجناح العسكري فهو يملك قدرة ضبط حالة الانفلات الأمني، وقد اكتسب شرعيته من تعهده إزاء الداخل، باستعادة الحكم المدني الذي غاب عن السودان أكثر من 30 عاما، والتزام أمام الخارج بالمسار الديمقراطي، والامتناع عن أي خطوات تعيق التقدم في المرحلة الانتقالية.

ومع أنه من المبكر تحديد مآلات ما يجري حاليا في السودان، فإن المشهد عن بعد، يشير إلى أن سيطرة الجناح العسكري المفاجِئة على المراكز الحكومية وتقييد حركة القيادات المدنية الحكومية والحزبية، لا يعني أن هناك حسما للصراع، وهو لا يزال يواجه تحديا جديا من القوى المدنية الداخلية، التي بدأت تلجأ للشارع لإفشال الحركة العسكرية، فضلا عن استدعاء تأييد ومؤازرة القوى الخارجية التي تملك إرثا من الشكوك من تجارب انقلابات عسكرية سابقة، تمنعها من مباركة أي حركة عسكرية مهما حسنت نواياها، ومهما كانت مبرراتها.

لكن التعويل على قدرة الجناح المدني، قد لا يكون كافيا _بحد ذاته_ لإفشال حركة المجلس العسكري. فهذا الجناح الذي لم تتوافق مكوناته لشهور عديدة، على الكيفية التي تقود بها المرحلة الانتقالية والسير قدما بعملية الانتقال الديمقراطي، ستواجه الآن صعوبة أخرى تتمثل في التوافق على الكيفية التي تواجه بها حركة الجناح العسكري، الذي قد يلعب على التناقض بين القوى الحزبية والمدنية. فقد يجد بعض هذه القوى في الحركة العسكرية الجديدة فرصة لتحسين موقفه التفاوضي مع خصومه فيما يراه البعض الآخر تحديا يستهدف تهميش قوته، أو ضرب وجوده في الشارع.

إلى ذلك فإن الشارع السوداني الذي ينحاز، كموقف أخلاقي، وسياسي، يمكن أن تتكشف أمامه الآن بعض عيوب الإدارة المدنية، بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء بحيث يصبح ذلك الشارع مترددا في تقديم تأييد على بياض لدعم الحكومة المدنية، والتي حمَّلها قطاع عريض من السودانيين خلال الفترة الماضية، مسؤولية إغراق السودانيين في مماحكات سياسية وحزبية فاقمت من مشاكل الحياة اليومية وعطلت مسار الانتقال الديمقراطي.

وبغض النظر عن توازن القوى بين الجناحين المدني والعسكري، فإن هذا التوازن يشكل ضابط إيقاع للمدى الذي سينتهي إليه الصراع بين الطرفين. فالحوار الطويل بين المكونات الحزبية والقيادات العسكرية الذي جرى خلال الفترة الماضية، برعاية أطراف خارجية بينها المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان، للخروج بحل توافقي لاستكمال حركة الانتقال الديمقراطي، سيأتي بمخرجات تكون أداة لتقييم الحركة التي قامت بها السلطة العسكرية، وما إذا كان يمكن اعتبارها تبريرا، وتعبيرا عن ضيق المؤسسة العسكرية من حالة المراوحة التي عاشتها القوى المدنية للتوافق على حلول للأزمة السياسية، أو أنها تعبر عن رغبة تلك المؤسسة في الاستئثار بالسلطة، وإقصاء المجموعات المدنية عنها .

المكونان المدني والعسكري لديهما خطوط اتصال مع الخارج، وكلاهما قدَّم خلال المرحلة الماضية التزامات داخلية وخارجية، أدت إلى تغيير علاقات السودان مع الخارج وحسنت من فرصه في استعادة مكانته على الخريطة الدولية، وتطوير قدرته في حل المشكلات والأزمات الداخلية. وسيكون من شأن تغليب مكون على آخر الإضرار بما حققه السودان منذ سقوط النظام السابق، ووضع المكونين في مواجهة اضطراب عميق في الداخل، وشلل في حركة السودان لاستعادة مكانه في الخارج .

الذين استبشروا بسقوط حكم عمر البشير قبل على نحو عامين لا بد أنهم يعيشون الآن حالة قلق مشروعة، خوفا من عودة النظام العسكري بثوب جديد، وخوفا على التغيير الوليد في مسار السودان الديمقراطي الذي وضعه بعد عقود على مسار بناء جديد على الصعيد الوطني، وانفتاح متعدد الأهداف والتوجهات على الصعيد الدولي .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button