فتوى عن الفساد في تونس تثير مبدأ مدنية الدولة
يرى رجال الدين أنها مقاربة كغيرها من المقاربات الاجتماعية والاقتصادية لتشخيص المشاكل وإيجاد حلول لها
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – هدى الطرابلسي –
أصدر ديوان الإفتاء بالجمهورية التونسية، الاثنين الماضي، فتوى تتعلق بحكم سرقة الأموال العامة الراجعة للدولة والأموال الخاصة الراجعة إلى الأشخاص. الفتوى أثارت مخاوف الحقوقيين من تداخل الديني بالسياسي، لكن يرى رجال الدين أنها مقاربة كغيرها من المقاربات الاجتماعية والاقتصادية لتشخيص المشاكل وإيجاد حلول لها.
ونشر ديوان الإفتاء في الجمهورية التونسية، عبر صفحته الرسمية، على “فيسبوك”، نص الفتوى، ”غلّظ القرآن الكريم والسنة النبوية العقوبة على من يمد يده إلى مال غيره، سواء بالسرقة أو الغصب أو باستعمال سلطة ما لتحوز ملك الآخرين، أو أخذ حق غير مستحق، ويدخل كل ذلك في باب الفساد”.
أضاف ديوان الإفتاء في النص نفسه، “الأمانة شرط لنجاح المعاملات الاقتصادية من بيع وشراء وتأجير وكل أنواع المعاملات المالية”، متابعاً، “فالمرتشي مثلاً يغض الطرف عن التزام الراشي باشتراطات معينة عند تنفيذ مبنى أو توريد أجهزة أو تعبيد شارع أو تقديم خدمة، ليكون المنتج في النهاية رديئاً تتأذى منه عامة الناس، وذلك في نهاية المطاف هو الفساد في الأرض”. وقال، ”ولذلك، توعّد الله الفاسدين المفسدين بالخسران وسوء العاقبة”.
يذكر أن الفتوى دعمت بآيات قرآنية تتحدث عن الفساد والسرقة وعقاب الله لمرتكبيها.
تنوير الرأي العام
وأوضح مفتي ديار الجمهورية التونسية، الشيخ عثمان بطيخ، في تصريح إعلامي، أن “النص الذي صدر على الصفحة الرسمية لدار الإفتاء على (فيسبوك) كان لتنوير عموم المواطنين وحثهم على الابتعاد عن هذه السلوكيات الحرام”، مشيراً إلى أن “النص المنشور جاء كرد على سؤال تلقاه الديوان ونشر تعميماً للفائدة وليس فتوى”. وأكد مفتي الجمهورية التونسية أيضاً أن كل “فتوى أو مقال ينبغي أن تصدر عن المفتي بمناسبة أو حدث”، موضحاً، “والحدث الذي نعيشه هذه الأيام هو الظاهرة التي برزت فجأة متمثلة في كثرة الفساد وكثرة التحيل كالرشوة أو الشهادات المزورة، ونحن علينا بيان موقفنا من هذه المسائل”.
ورأى رئيس مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان رامي الصالحي في تصريح خاص أن ديوان الإفتاء دائماً ما كانت مواقفه مغازلة لمواقف السلطة من أجل التقرب منها، واصفاً إياها بأنها أداة في يد أي حاكم من أجل إعطاء طابع ديني وأخلاقي لقراراته.
وفي جوابه عما إذا كانت الفتوى الصادرة عنهم عبارة عن تناغم مع مواقف رئيس الجمهورية قيس سعيد في مجال مكافحة الفساد، استنكر عثمان بطيخ الأمر قائلاً، “وهل يجب أن نقول لرئيس الجمهورية إنك مخطئ، ونترك الناس يسرقون وينهبون؟”.
جدير بالذكر أن مفتي الجمهورية، حسب القانون التونسي، يعين من طرف رئيس الجمهورية، وسبق أن أصدر ديوان الإفتاء فتاوى خاصة بعد الثورة، أهمها تجريم الحركات الاحتجاجية، وقال إنها تعرقل وتضر بالاقتصاد الوطني، وأيضاً موقفه من المساواة في الإرث الذي أجازه في حكم الراحل الباجي قائد السبسي، وحرمه في فتوى أخرى سابقة.
مدنية الدولة
من جانبه، قال الشيخ بلقاسم القاسمي، الباحث في العلوم الاجتماعية والإسلامية، إن “الفتاوى هي توصيف للقضايا المستجدة”، مفسراً في تصريح خاص أن “الفرق بين الفتوى والحكم الشرعي هو أن الحكم الشرعي عام، أما الفتوى فهي خاصة بزمان ومكان وأحوال وأشخاص”، ومضيفاً، “الفتوى متغيرة ومتجددة حسب مقتضيات ومتطلبات الوقت، والفتوى يجب أن تكون متطابقة مع تحديات الواقع وإكراهاته، ويجب أن تساهم في إيجاد الحلول للواقع المعيشي بكل أبعاده وتجلياته”.
ويرى الإمام الخطيب بلقاسم القاسمي، أن “على دار الإفتاء في تونس تقديم مقاربة شرعية ودينية من أجل إيجاد حلول، ويجب أن تكون المقاربة الدينية حاضرة كغيرها من المقاربات، أي الاجتماعية والاقتصادية”، كما يعتقد القاسمي أن “هذا لا يتعارض مع مدنية الدولة”، قائلاً، “فالدين هنا لن يتسلط على الواقع، بل دوره أن يقدم مقاربة ويشارك في الحلول”، فهي “مساهمة فقط”.
أما الحقوقية والمحامية بشرى بالحاح حميدة فعلقت في تصريح خاص على الأمر قائلة، “ديوان الإفتاء لا دخل له في مثل هذه الملفات”، مذكرة بالفصل الثاني من الدستور التونسي الذي لا يجوز تعديله، والذي أبقى عليه قيس سعيد في إلغائه دستور 2014، موضحة أن “تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون”، حسب نص الدستور.