لماذا الكتابة عن الأرمن؟!
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

معرفتي بالأرمن تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي في بيروت، كانوا جزءاً من المجتمع اللبناني المتعدد الأعراق، اشتهروا بكونهم “مجموعة منظمة” تمتهن الحرف كصناعة وتجارة الذهب والخياطة والأحذية وميكانيك السيارات وتعاملهم الواضح والصريح مع الآخرين، فالأرمني عنده كلمة واحدة بعيداً عن المساومة في عالم التجارة.

 

وجودهم في لبنان منذ الحرب العالمية الأولى بعد مجزرة الإبادة التي تعرضوا لها على يد العثمانيين، فانتشروا في “برج حمود” و”مجدل عنجر” بصفة خاصة، بعدها دخلوا الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في لبنان فبات “الأرمني” عملة خاصة، سواء في لغته العربية، بلفظ المؤنث مذكر والعكس صحيح، أو في مجمل الأنشطة الاجتماعية والحياتية.

 

في الكويت توطدت العلاقة أكثر، فزاملت في “القبس” الرسام فؤاد تومايان، الذي هاجر إلى أستراليا، أثناء الحرب العراقية–الإيرانية، ولي فيها صداقات كثيرة منهم غارو كيوميجيان والسيدة الفاضلة مارينا والمطران ماسيس زوبايان وآخرون يعملون في مواقع مختلفة.

 

ومع مرور الوقت نمت العلاقة وكبرت بواسطة مجموعة من رجال الكنيسة والمطارنة الذين باتوا في حكم العلاقات الأخوية، وقد تكون هذه المقدمات سبباً للقول إنني في سبيل إصدار كتاب يوثق قصة الأرمن في الكويت وعن هجراتهم والبدايات الأولى لمجيئهم إلى هذا البلد.

 

كنت وما زلت عاشقاً للشخصية الأرمنية نظراً لما تتصف به من خصال حميدة ونجاحات في مختلف البلدان التي عاشوا فيها منذ تهجيرهم من بلادهم عام 1915، ربما كان لصديقة ابنتي إيمان في دراستها الجامعية في بيروت دور في إعطائنا جرعات من الثقافة الأرمنية والآلام التي لاحقتهم حتى اليوم نتيجة الإبادة التي تعرضوا إليها.

 

أمامي نموذجان لشخصيتين أرمنيتين لا تربطني علاقة بهما بقدر ما شاعت نجاحاتهما وأخذت صدى عالميا: الأول “فارتان غريغوريان” الذي رحل عن دنيانا منذ أسبوعين تقريباً، وروى لي الصديق الباحث يعقوب يوسف الإبراهيم جزءاً من حياته، وهو ما أفردت له الصحافة العالمية صفحات كاملة للحديث عن هذا المبدع والخلاق الذي خرج من أسرة متواضعة جداً، ولد في مدينة تبريز، شمال إيران وانتقل إلى بيروت واستقر في أميركا، ويتحدث سبع لغات، أهمية هذا الرجل أنه كان طوال حياته مناصراً للتعليم، حصل على الدكتوراه من جامعة ستانفورد عام 1964 وكانت أطروحته بعنوان “التقليدية والحداثة في الإسلام”، مارس مهنة التدريس في الجامعات الأميركية وتولى رئاسة جامعة بنسلفانيا وغيرها من الجامعات، ثم شغل منصب رئيس مكتبة نيويورك العامة وكان له الفضل في إحيائها من جديد وهو المنقذ الأكبر لها.

 

وصفوه بأنه نموذج مرئي للغاية للأرمن، تحدث عن التعليم في أرمينيا فقال: “أول شيء يجب على أرمينيا أن تستثمر فيه، مثل الدول الإسكندنافية، هو التعليم، حتى في الجيش الأرميني، يجب عليهم تدريس علوم الكمبيوتر والرياضيات”، كما دعا الكنيسة الأرمنية إلى الاستثمار في التعليم وهو بالمناسبة عضو في مجلس محافظي أول مدرسة داخلية دولية في أرمينيا.

 

معروف بالتزامه بحقوق الإنسان وتأسيسه لجائزة “أورورا لإيقاظ الإنسانية” هدفها تكريم الأفراد الذين عملوا إنسانياً بالنيابة عن الناجين من الإبادة الجماعية، كان أحد “الأكثر احتراماً وتكريماً في أميركا وأكثر المعلمين والقادة شهرة في التعليم العالي”.

 

الشخصية الثانية- وهو أيضاً نتاج المجتمع والبيئة اللبنانيين- يدعى “أردم باتابوتيان”، حائز جائزة نوبل للطب عام 2021 بفضل “تحديد آليات كيفية إدراك البشر للحرارة والضغط من خلال النبضات العصبية”، وهذا أحد الأبحاث التي عملها لمرحلة ما بعد الدكتوراه، تلك نماذج أردت إلقاء الضوء عليها لما لها من أثر إنساني عالمي وقف وراءه عالمان أرمنيان.

 

لقد استطاع الأرمن إثبات حضورهم وتميزهم رغم النكبات التي أصابتهم، وكانوا ضيوفاً محترمين في المجتمعات التي لجأوا إليها، ولهذا نشأت حالة من العشق بيني وبينهم تخطت حدود “الانحياز لهم” كما كتب عنهم مرة الصديق محمد السنعوسي أو كما تناولهم الزميل أحمد الصراف في روايته ومقالاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button