مقتدى الصدر مرشدا!
بقلم: حسن فحص
النشرة الدولية –
بغض النظر عن الجدل الدائر داخل الأوساط السياسية العراقية بين فريق معترض على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، وآخر يلتزم الصمت انطلاقاً من قبوله بهذه النتائج وما أسفرت عنه من تغيير في أوزان وأحجام بعض القوى، وما أفرزته من حقائق جديدة قد تساعد على إدخال وإحداث تغيير في المعادلة السياسية القائمة منذ عام 2005، فإن حقيقة أخرى بدأت بالتبلور في المشهد العراقي تتمحور حول مستقبل الدور الذي من المفترض أو المحتمل أن يلعبه زعيم التيار الصدري والكتلة السيد مقتدى الصدر، أو يطمح إليه، في مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي وحتى الديني.
المراقب للمواقف التي تصدر عن زعيم التيار الصدري، لا يجد عناء في إدراك خط البيان التصاعدي الذي تتخذه المواقف التي بدأ يطلقها مع إعلان المفوضية المستقلة للانتخابات عن إقفال الصناديق، والتي تكرست في المؤتمر أو الخطاب الإعلامي الذي عقده بعد إعلان النتائج الأولية، عندما رسم الإطار العام لمرحلة ما بعد النتائج، معلناً بكل وضوح فوز فريق أو كتلته البرلمانية التي أطلق عليها اسم “الكتلة الصدرية” بأكثرية مقاعد المكون الشيعي بواقع 73 مقعداً، في خطوة حسمت الجدل حول الكتلة الأكبر، أو أراد لها أن تكون الحاسمة، فاتحاً الباب أمام تغييرات جزئية وبسيطة لا تؤثر في موازين توزيع مراكز القرار المستقبلي، ومعتبراً أن خسارة مقعد من، أو إضافة مقعد إلى قائمته وكتلته، لن يحدث تغييراً جوهرياً في الحقيقة التي انتهت إليها الانتخابات.
هذا الموقف الأول للصدر من النتائج، حمل رسالة إلى القوى السياسية الأخرى من المكون الشيعي المعترض على النتائج منذ اللحظات الأولى، تدعوها إلى الاعتراف بهذه النتائج والتعامل مع الحقيقة التي أفرزتها الانتخابات، والتي لن يسمح لأي طرف باللعب فيها أو تغيير واقعها، خصوصاً أنها جاءت متناغمة إلى حدّ كبير مع الخطوط التي سبق له أن رسمها قبل أشهر لمسار النتائج، ويقينه بالحصول على الكتلة الأكبر على حساب القوى الأخرى، بحيث تسمح له بأن يكون الجهة التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء وحتى تشكيل الحكومة.
الصدر، وفي موازاة ما تقوم به القوى السياسية المحسوبة على الإسلام السياسي من المكون الشيعي من عملية اعتراض ورفض النتائج، والدعوة إلى التظاهر على مداخل المربع الجغرافي الذي يمثل الدولة والسلطة في المنطقة الخضراء في بغداد، كورقة ضغط على أمل إعادة ترتيب النتائج أو إلغاء الانتخابات، استمر في التعامل مع نتائج الانتخابات باعتبارها حقيقة قطعية ونهائية لا يمكن المساس بها أو التلاعب فيها أو إدخال تغييرات عليها، فانطلق إلى فضاء، أوسع من حقه في تسمية رئيس الوزراء، باعتباره حقاً محسوماً ولا جدال حوله أو فيه، وأبرز ملامح هذا الفضاء، لجوء الصدر بوضوح وشفافية إلى رسم الاستراتيجيات المقبلة للدولة العراقية في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، سواء في عملية النهوض بواقع الدولة الخدماتي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أو في مسألة محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين واسترداد أموال الدولة المنهوبة والمحاسبة ورفع الحرمان والتشدد في تطبيق القوانين على جميع أفراد المجتمع بمختلف مواقعهم.
سلسلة التغريدات المتوالية والمتتابعة التي أطلقها الصدر في الأيام الأخيرة، تزداد وتيرتها مع ازدياد وتيرة التصعيد الذي تمارسه القوى السياسية المنافسة له من المكون الشيعي. وهي تغريدات تحمل منحى تصاعدياً على مسار تكريس إمساكه بمفاصل واتجاهات وتوجهات المرحلة المقبلة من مستقبل العراق، على الرغم مما فيها من مخاطر ومحاذير قد تعود عليه سلباً لجهة أنه دخل “البازار السياسي” هذه المرة، واضعاً كل أوراقه على طاولة الرهانات، خصوصاً الإرث العائلي الذي لطالما استخدمه في الإمساك بالشارع الشعبي من جهة، وفي الوقوف أمام قوى الإسلام السياسي من جهة أخرى، وعلى أساسه بنى واقعه وتحالفاته السياسية من جهة أخرى.
الرسائل التي يريد الصدر أن يفهمها الآخرون، سواء في الداخل أو الخارج، خصوصاً الجوار الإقليمي، تحديداً الجار الإيراني قبل غيره من الجيران، أنه لن يسمح بأي شكل من الأشكال بممارسة أي نفوذ يسهم أو يساعد في تغيير حقيقة الانتخابات وما حققه من تقدم داخل العملية السياسية، وأنه هذه المرة، وعلى الرغم من حرصه على الوحدة الداخلية، وعدم سوق البلاد إلى أزمة جديدة قد يكون السلاح والانهيار الأمني والانزلاق نحو التقاتل عنوانها الأبرز، إلا أنه في المقابل لن يقدم أي تنازلات أو يقبل أن تكون أي تسوية سياسية على حساب استحقاقاته التي عمل طويلاً من أجل الوصول إليها.
ثلاثة سياقات يعمل الصدر على تكريسها كأمر واقع في المشهد العراقي، استطاع حتى الآن تحقيق اثنين منها نسبياً إلى حدّ كبير، الأول تكريس نفسه وتياره القوة الشعبية الأكبر والأقدر على تحقيق المفاجآت وقلب الوقائع. والثاني هو فرض نفسه وتياره كقوة سياسية عراقية قادرة على اتخاذ موقف علني من التدخلات الخارجية الأميركية والإيرانية على وجه التحديد، وأن تياره يقوم على بعد سيادي عراقي ذي وجه مركب بين الإسلامي والعروبي، وأن ميزان الصداقات الدولية تحكمه المصالح العراقية وسيادة الدولة على قراراتها، مع الرغبة الكبيرة بلعب دور وسطي بين جميع القوى المتصارعة في المنطقة على مبدأ الحياد الإيجابي.
أما السياق الثالث، الذي يعمل الصدر على تكريسه بكثير من الحذر والدقة، وهو مسار تصاعدي واضح بدأ منذ أن أعلن قبل أعوام التفرغ لاستكمال دروسه الحوزوية، ليعود بعدها ليكشف أنه دخل مرحلة “بحث الخارج” الذي يؤهله للاجتهاد الديني، بالتالي تمهيد الطريق لاحقاً أمام تكريس زعامته الدينية كزعيم للنجف بعد فراغ موقع المرجعية العليا.
إمساك الصدر بالشارع وقدرته على تحريكه بالاتجاه الذي يريده بطاعة شبه عمياء وولائية، إضافة إلى ما يقوم به من رسم الإطار الاستراتيجي لعمل الدولة العراقية في المرحلة المقبلة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولاحقاً السعي لتكريس زعامته الدينية، هل تمهد المشهد ليكون الصدر ولي الفقيه في العراق، وهل سيكون العراق أمام حقيقة أن بات له مرشد للدولة والنظام؟!