“هي الكرة الخفيفة التي يتراشقها الطائفيون في كل مكان”
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

النشرة الدولية –

انتشرت في خطابات سياسيينا في هذا القرن وفي أدبياتنا السياسية وتطايرت بين صفحاتها كلمة “المكونات”!! طار بها الفئويون واستبشر بها العنصريون وعلقها الفاشيون على راياتهم، وصاح بها الطائفيون: “وجدتها وجدتها”! سامحني يا أرخميدس.

يندر وجود هذا المصطلح “الخبيث” في أدبياتنا السياسية العربية في القرن الماضي بمدلولاته القبيحة في زمن حروب الطوائف.

مكونات الشعب اللبناني، تعني قوميات وأدياناً وطوائف لبنان، هي محاولة لتحسين القبيح، وقبح هذا المصطلح يأتي من سياقه، فهو غالباً يدلل على المحاصصة، لا ضير ولا عيب باستخدامه، لكن عيبه يمكن باستخدامه بديلاً للمواطنة.

مكونات الشعب العراقي، هي الفقرة التي يستخدمها الطائفيون -في الغالب- للتمويه على طائفيتهم. يكررها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، اشتهر المالكي بطائفيته البغيضة وبتسليمه الموصل لـ”داعش” بأسلحتها وأموالها، وبكرهه لمحيطه العربي وولائه المطلق لإيران.

“مكونات”: هي الكرة الخفيفة التي يتراشقها الطائفيون في كل مكان، يكررها طائفيو الشيعة-السياسية من دون خجل أو وجل -وخصوصاً في العراق حيث يحكمون، وفي لبنان حيث يتحكمون، تخف حدتها لدى السنة-السياسية لأنهم متراجعون، وليس لأنهم أقل طائفية من الشيعة-السياسية. تكاثر تفاخر الشيعة-السياسية بالعراق ولبنان بطائفيتهم: يتكلمون نيابة عن الشيعة كشيعة وحسب، فرضوا تفويض الحديث نيابةً عن الطائفة الشيعية بأكملها فرضاً بالقوة والترهيب. وهي الظاهرة الطائفية المقيتة التي كتب عنها الكاتب اللبناني جهاد الزين قبل يومين وسماها “الجلأة الشيعية”، مطالباً بتوقف “الميليشياوية الشيعية في شوارع بيروت” (النهار 26 أكتوبر).

تفسر السنة-السياسية بطش النظام السوري بعدائه للمكون السني! معيار الانتماء الطائفي بحسب المكونات لا تستخدمه السنة-السياسية لتفسير بطش صدام حسين والقذافي والبشير على سبيل المثال لا الحصر لطغاة ينتمون-صدفة- للمكون السني!

المكوّن السني، والمكوّن الشيعي والمكوّن الكردي. مكونات تتردد على ألسنة الساسة بالعراق، وغاب عنها المكون العراقي وحسب، المكون العراقي الأصيل هو شباب تشرين الذين تجاوزوا المكونات من أجل مكون واحد فقط اسمه “العراق”.

كنت أحذر طلبتي دوماً: متى ما بدأت تقول “نحن وهم” وأنت تقصد الآخر من أبناء وطنك، فقُل على التعايش والسلم الأهلي السلام.

وقت كتابة هذا المقال تتوارد الأخبار من السودان عن انقلاب “المكون العسكري” على “المكون المدني” في مجلس الحكم الانتقالي! كيف يكون الانضمام للجيش تكويناً يتجاوز المواطنة.

والمكون كلمة مشتقة من “كان”، وهو فعل ناقص، وكذلك المواطنة تنقص حين تنتمي لمكوّن ولا تنتمي إلى الوطن كمواطن. و”كان” تَنصُب الخبر. وخبر ساستنا حول المكونات نصب واحتيال لدغدغة “المكونات” طمعاً في السلطة والقوة.

والكون هو العالم، والله خالق الكون “إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون” (قرآن كريم).

وسفر التكوين هو الأسفار الأولى للتوراة – بحسب المؤمنين بها، حيث يشرح قصص الأولين وكيفية بدايات خلق الكون.

والتكوين يشابه الجزء الثاني من كلمة “بيتكوين”، وهي العملة الرقمية التي تشغل ناس المال والأعمال وتملأ دنياهم هذه الأيام.

ونقول باللهجة الخليجية “كوّن” الكرة أي أحرز هدفاً، وغالباً ما تُستخدم في تسجيل أهداف لعبة كرة السلة، وصغاراً كنا نقولها بلعبة “التِّيَل”- أي كرة البلور حين تضعها في الدائرة “الأورطه”، وأظن الأورطه من التركية، ففي أحياء إسطنبول حي شهير اسمه “أورتاكوي”، أي وسط المدينة.

والكون في لهجات الخليج هو وطيس الوغى، وجاء في قصيدة للشاعر راشد الخلاوي:

ومن عوّد الصبيان ضربٍ بالقنا

نخوه يوم الكون يا أبا العوايد

وجاء في قصيدة للفارس هايس بن مجلاد العنزي:

اللي نهار الكون يفزع بمصلاب

كبار الأنفس ساهجين المواجيب

مع الاعتذار لجيل لا يعرف بعض المفردات، وعرب لا يعرفون الخلاوي وبن مجلاد.

والمكونات إذا ما كانت معيار المواطنة فهي بدايات “الكون” بين فئات الشعب، وهي “مجلاد” التعايش الأهلي.

كيف نكون معاً بدلاً من أن نكون مكونات شتى؟

دعوا المكونات، وتساموا فوق الفروقات، وعززوا المواطنة والمساواة، وإلا فـ”الكون” الأهلي سيكون مصير مَن كانت المكونات منظاره للآخر في وطنه، ولنا في حروبنا وحرائق “مكوناتنا” الدروس والعبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button