لماذا لا بدّ من إقالة جورج قرداحي من الحكومة اللبنانية؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
قدّم وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، في الجزئية اليمنية من مواقفه الداعمة لـ”محور الممانعة”، “خدمة ذهبية” للمملكة العربية السعودية التي كانت تتعرّض، على مدى السنة الأخيرة، لضغوط عربية ودولية من أجل أن تعيد النظر في “سياسة الإهمال” التي بدأت اعتمادها، تدريجياً، منذ العام 2017، تجاه لبنان.
كان الجميع قبل بثّ البرنامج الحواري الذي أطلق فيه قرداحي مواقفه “الإستراتيجية” الداعمة لعمليات تنظيم “أنصار الله” اليمني، يحثّون السعودية على إعادة الإنخراط في الساحة اللبنانية. فرنسا بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، فعلت هذا. مصر ومعها الإمارات العربية المتّحدة والكويت، أيضاً.
وقد ارتفعت وتيرة الحثّ هذه، بعد تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي الذي راح يُكثر من الكلام المعسول تجاه الرياض.
لكنّ القيادة السعودية لم تحرّك ساكناً. تجاهلت كلّياً تشكيل الحكومة. قراءتها للوقائع اللبنانية مختلفة تماماً عن قراءة شركائها الإقليميين والدوليين. هي مقتنعة تمام الاقتناع بأن ما من شخصية يمكن أن تصل إلى أيّ منصب في لبنان، إذا لم تكن تخدم مشروع “حزب الله” الذي تصنّفه في خانة التنظيمات الإرهابية، أو على الأقل، إذا لم تكن أعجز من أن تؤثّر سلباً على هذا المشروع.
في حمأة هذا “النزاع” السعودي-الإقليمي-الدولي خرجت مواقف وزير الإعلام إلى الضوء، لتُعطي الرياض دليلاً على وجوب تمسّكها بمقارباتها للوقائع اللبنانية، وتالياً لتزيدها اقتناعاً ب”سياسة الإهمال” المعتمدة.
لم تُعِر السعودية أيّ اهتمام للتوضيحات الصادرة في بيروت التي تمحورت حول أنّ كلام قرداحي لا يمثّل الحكومة وهو أصلاً جرى تسجيله قبل شهر وخمسة أيّام من تعيينه في الحكومة التي تعهّد بأن يحترم بيانها الوزاري.
هذه التوضيحات لا تغيّر في واقع الحال، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ قرداحي أعطى الدليل على أنّ “الإختصاصيين” الذين جرى اختيارهم، بدقة ليشغلوا مناصب وزارية إنّما جيء بهم من مجموعات إمّا توالي “حزب الله” وسياساته الإقليمية أو لم تُسجّل لهم، في تاريخها الحديث، مواقف أو سلوكيات يمكن أن تثير حفيظة “حزب الله”.
وبالفعل، فإنّ التدقيق في تاريخ الأكثرية الساحقة من الوزراء لا يسمح بأيّ شذوذ عن هذه القاعدة التي تجعل من جورج قرداحي “فضيحة” حكومية لبنانية.
إنّ محاولة قرداحي وضع المواقف التي أطلقها في خانة حرية التعبير لا تستقيم، فاختيار الوزراء، يتم على أساس آرائهم وقناعاتهم، وتالياً فإنّ إيجاد فوارق بين الآراء من جهة والتوزير من جهة أخرى، هو “ضحك على العقول”.
وهذه القاعدة لا يتم إملاؤها على لبنان، كما يزعم “سياديو إيران”، بل هي قاعدة معتمدة، حتى في أعرق الديموقراطيات، حيث يمكن حتى لتصريح قديم جداً منسوب الى وزير أو مرشّح للوزارة أن يطيح به، إذا جاء مناهضاً للسياسة التي تتعهّد بها الحكومة التي ينتمي إليها.
لا أحد يمكن أن يعترض على حق أيّ كان في الإعراب عن قناعاته، مهما كان شكلها أو وجهتها، ولكن هذه المواقف تصبح محورية، عندما يصبح مطلقها في موقع مسؤول، لأنّها، حينئذ، يمكن أن تعكس حقيقة سياسية “مضمرة”، تتناقض مع الشعارات السياسية المعلنة، لأنّ اختيار الوزراء يتم على قاعدة “ما هم عليه” وليس على قاعدة “ما سيكونون عليه”.
لقد سبق أن أطلق قرداحي، قبل أن يصبح وزيراً، مواقف كثيرة، إعتبرها معارضوها “مقيتة” لكنّها لم تُحدث أيّ ضجّة سياسية أو أيّ استياء دبلوماسي، ولكنّ هذه المواقف أصبحت ذات “قيمة دليلية”، بمجرّد أن جرى تعيين مطلقها وزيراً في الحكومة.
إنّ حكومة تزعم أنّها تريد العمل لجسر الهوة التي أبعدت دول مجلس التعاون الخليجي عموماً والمملكة العربية خصوصاً عن لبنان، يستحيل أن تضع في قائمتها شخصيات تملك توجّهات مسؤولة عن حفر هذه الهوّة، مثل جورج قرداحي.
إنّ قرداحي، بالمواقف الملتصقة به، يصلح أن يكون وزير إعلام في حكومة تسعى الى “مواجهة”، وليس في حكومة تتطلّع الى “مصالحة”.
لقد أبعد الثنائي “حزب الله”-“التيار الوطني الحر” شخصيات كثيرة كانت مرشّحة للتوزير، لأنّ “تاريخها” لا يطمئنه، وتالياً فإنّ “ملف” جورج قرداحي مرّ “على الرقابة” وحصل على الموافقة، وعليه لا يمكن أن تعثر في هذه الحكومة على وزير له في “الأرشيف” مواقف لمصحلة الفريق الذي يناهضه الفريق الذي أتى قرداحي الى الحكومة من صفوفه.
وهكذا تحوّل وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية إلى عنوان جديد لعائق جديد يمنع انطلاق أيّ بحث في إعادة العلاقات اللبنانية-الخليجية الى طبيعتها. وحدها إقالة قرداحي يمكن أن تُعيد الحياة الى المساعي الإقليمية-الدولية في المملكة العربية السعودية، وتُعطي مواقف ميقاتي “العسلية” قيمة عملية، خصوصاً مع تراكم الأدلّة على أنّ لسانه “الإيجابي” لا يستّر تنازلاته “السلبية”.
مساع كانت صعبة قبل “اكتشاف” كامل “منظومة” مواقف وزير الإعلام، وهي، باستمراريته، أصبحت مستحيلة.
إنّ لبنان في كارثة حقيقية. هو أضعف من أن يحل مشكلة توفير الطاقة الكهربائية، وأفقر من أن يوفّر رغيف خبز لجائع، وعلبة دواء لمريض، وصفيحة بنزين لعامل، وأعجز من أن يحمي حقوق ضحايا انفجار مرفأ بيروت من “العبث السياسي”، ويحول دون تكرار المشاهد المخيفة لأحداث الطيونة، ويتمكّن من رفع القمامة-على مختلف أنواعها-من الطرق، ومع ذلك تجد فيه حزباً يتحدّث عن امتلاكه مائة ألف مقاتل، وناهبي مال الشعب الذين لا تكشفهم سوى وزارة الخزانة الأميركية بعد أن يكونوا قد ملأوا الفضاء صراخاً إصلاحياً، كما هي عليه حال النائب بفضل “حزب الله” جميل السيّد، وسلطة تختار أمثال جورج قرداحي وزيراً في حكومة تزعم أنّها جاءت للإنقاذ، وتتمسّك به، على الرغم من ثبوت ضرره.
إنّ الاستسلام لتمسّك “حزب الله” بجورج قرداحي وزيراً، لن يقض مضاجع السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنّه، بالتأكيد، سوف يعمّق الهوة التي جرى دفع اللبنانيين إليها، لأنّه سيكون دليلاً إضافياً على أنّ لبنان سقط كلّياً تحت سطوة “حزب الله” وتالياً يستحيل إنقاذه قبل “تحريره”.