محمد الدلال.. والاستشهاد بالأدنى
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
هناك مشكلة مع الذين يصدقون كل تغريدة ورسالة واتس. وتصبح المشكلة أكبر وأخطر عندما يصدق المسؤولون وكبار السادة والقادة ورجال الدين والمعلمون وأنصافهم هذه الرسائل، وقيامهم بتضمينها خطبهم وخطاباتهم ومقالاتهم، وكأنها أمور مسلم بها.
وتبلغ المسألة قمة المأساة عندما لا يتطلب الأمر أصلاً تصديق أية مقولة، والاستشهاد بقائلها، إذا كان الأمر يعني «الاستشهاد بالأدنى، لدعم سيرة وموقف من هو أعلى»!
أصدر مايكل هارت عام 1978 كتابه الشهير «المئة الأكثر تأثيراً في التاريخ»، واختار شخصية النبي محمد كالأكثر تأثيراً في تاريخ البشرية. وجاء اختياره، من وجهة نظره، لأنه كان موفقاً للغاية في كل من المجالين الديني والدنيوي، حيث وضع أسس الإسلام، وبدأ بالفتوحات الإسلامية المبكرة التي وحّدت شبه الجزيرة العربية، وترك من بعده خلافة واسعة، ومسلمين يتبعون سنته.
حرص هارت، على عكس العديد من المؤرخين الآخرين، على عدم وضع «العظمة» كمعيار لاختيار شخصيات كتابه، بل اختار فقط معيار مدى تأثيرها على مسار التاريخ البشري، سلباً أو إيجاباً، على من جاء بعدهم، والدليل على ذلك أن الكتاب تضمن شخصيات شريرة مثل هتلر وغيره.
أول من تلقف الكتاب وترجمه إلى العربية، وأزال اسم مؤلفه عنه، ونسبه لنفسه، كان الكاتب المصري أنيس منصور، صاحب خرافة «سلة تحضير الأرواح»، وأحد كتّاب السلاطين في ديوان «الثورة المصرية»، حيث غيّر عنوانه إلى «المئة الأعظم في التاريخ»، وهذا تشويه متعمد لم يضف شيئاً لشخصيات الكتاب العظيمة، ولكن ساهم في رفع مجرمين من أمثال هتلر لمرتبة العظماء، وكان ذلك تصرفاً أخرق ومعيباً بحقه وحق القارئ.
تسبب التشويه المتعمد الذي اقترفه منصور في تصديق الكثيرين لروايته، وكان آخرهم النائب الكويتي السابق، وعضو حزب الإخوان المسلمين، محمد الدلال، الذي كتب مقالاً الجمعة قبل الماضي تضمن أموراً أبعد ما تكون عن الدقة، معتمداً على قراءته، وغالباً على ترجمة أنيس منصور لكتاب هارت، الذي تعمد تشويه عنوانه للترويج لبيعه على أوسع نطاق، بعيداً عن الأمانة الأدبية، وأوقع بذلك من جاء بعده في مطب خطير.
كما ورد على لسان شيخ الأزهر، في خطبته الأخيرة، كلام ذكره على لسان الأديب البريطاني والمفكر جورج برنارد شو أبدى إعجاباً بشخصية النبي، وأطلق عليه لقب منقذ البشرية، وأنه لو قُدر له تولي قيادة العالم، لاستطاع حل مشكلاته وإقرار السلام والسعادة.
لعلم الدلال وقبله شيخ الأزهر، الذي وصف برنارد شو بالبريطاني وهو الأيرلندي، الكاره لكل شيء بريطاني، أن الأخير لم يقل ذلك الكلام، ولا يقلل ذلك من مقام النبوة طبعاً، كما أن النشرة التي اعتمد عليها هؤلاء صدرت عام 1936، وتوقفت بعد عام، وكان صاحبها غالباً مسلماً من سنغافورة، ولا يوجد دليل مادي واحد على صدق ما ورد فيها على لسان برنارد شو!
الأهم من كل ذلك أن المسلم الصادق في إيمانه، من أمثال شيخ الأزهر والنائب السابق الدلال وغيرهما، يعتبرون النبي العربي الشخصية الأعظم، وبالتالي هم في غنى أصلاً عن الاستشهاد بمقولة لكاتب أو مفكر أو فيلسوف، أو لما ورد في نشرة مجهولة منسية صدرت قبل 90 عاماً؟ فهذا دليل عدم ثقة بما يؤمنون به، وكأنهم كانوا بحاجة إلى الاستشهاد بأقوال آخرين لزيادة ثقتهم بعظمة النبي!
ولا أدري لماذا يحرص البعض منا على الاستشهاد بما يقوله الغربيون، وتجاهل ما يقوله، مثلاً، مفكر«صومالي»، أو أديب «غاني»، ولو كان أقوى وأهم مما قاله «إنكليزي»، فهل هي «عقدة الخواجة»؟
ختاماً، غني عن القول إن أغلبية «الأقوال» التي وردت في مقال الزميل الدلال الأخير لا دليل مادي على صحتها غير «مصادره»!
وحتى لو وجدت، فهو بالذات ليس بحاجة إليها، فالاستشهاد بالأدنى للتدليل على عظمة الأعلى يقلل من قيمة الأخير، ولا نخاله كان يقصد ذلك!