من الخاسر من نهاية خط الغاز المغاربي الأوروبي… ما هي البدائل؟
النشرة الدولية –
بعد 25 عاماً على انطلاقه، من المرجح أن يتوقف العمل في خط الغاز “المغاربي الأوروبي” الذي يمر فيه الغاز من الجزائر إلى إسبانيا والبرتغال، عبر الأراضي المغربية.
الاتفاق القاضي بإنشاء هذا الأنبوب وُقّع سنة 1993، وامتد العمل في بنائه ثلاث سنوات، ثم بدأ تشغيله سنة 1996، على أن ينتهي في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
وينقل الخط الغاز من الجزائر إلى إسبانيا والبرتغال مروراً بالمغرب، بقدرة تشغيلية تصل إلى 11.6 مليار متر مكعب سنوياً، ويبلغ الطول الإجمالي للخط 1620 كلم، 540 كلم منها في الأراضي المغربية و47 كلم في عرض البحر بعمق 400 متر، واستطاع نقل 182 مليار متر مكعب من الغاز منذ 1996 حتى 2016.
ويبقى الترقب سيد الموقف حتى اللحظات الأخيرة حيال اتفاق الدول المشاركة في هذا الخط على تمديد العمل به لسنوات أخرى أو توقيفه نهائياً.
خسائر متفاوتة
ويتساءل مراقبون للشؤون المغاربية عن تداعيات عدم تمديد العمل في الخط وخلفياته. وهل السبب اقتصادي أم سياسي؟ في ظل التأكيد أن الكل خاسر من هذا التوقيف.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الشرقي أن الجزائر هي الخاسر الأكبر جراء إنهاء اتفاق “الخط المغاربي”، لأن “الأنبوب الآخر المباشر بين الجزائر وإسبانيا لن تصل قدرته في أحسن أحواله إلى ثمانية ملايين متر مكعب، وبالتالي سيتراجع حجم الصادرات”، مضيفاً في حديث إلى “النهار العربي” أن “إسبانيا هي أيضاً متضررة لأنها لن تحصل على ما يكفي حاجياتها وستبحث عن أسواق أخرى، واعتمادها على الغاز الجزائري سينقص، ما يعني أن التبعية الطاقية ستقل، والعائدات المالية ستضعف مقابل ارتفاع تكاليف صيانة هذا الأنبوب الجديد التي تُحسب على الجزائر”.
ويلفت إلى أن “أنبوب الغاز الذي نتحدث عنه لا علاقة له بغاز البوتان كما يروج له، بل الحديث هو عن غاز يؤمن حاجيات محطتين لإنتاج الكهرباء، واحدة شمالاً قرب طنجة، وأخرى شرق المملكة قرب مدينة وجدة”، مفيداً أن “المغرب ينتج داخلياً 40 في المئة من الطاقات المتجددة الريحية والشمسية لإنتاج الكهرباء، ويستورد نحو 60 في المئة من الطاقة الأحفورية من الفحم الحجري والغاز والأحفوريات الأخرى”.
الطاقات المتجّددة.. بديل المغرب
ويوضح الشرقي أن “بدائل المغرب في حال توقف عمل خط الغاز المغاربي متنوعة، سواء على المدى المتوسط أم البعيد”، مشيراً إلى أن “وجود مشروع ضخم بين المغرب وبريطانيا في الطاقة المتجددة وتصديرها من محطات جنوب المغرب إلى بريطانيا عبر خط بحري مسافته 3400 كلم، هو الأضخم من نوعه في العالم، وسيكون جاهزاً قبل 2030”.
وتبلغ قيمة الاعتماد الطاقي في المغرب نحو 4 مليارات دولار بحسب معطيات رسمية، تمثل نسبة استغلال أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي فيها ما يناهز 150 مليون دولار، وهو رقم يؤكد مراقبون أن الفاتورة الطاقية لوحدتين صناعيتين في المغرب في التعليب والسيراميك تتجاوزه بأضعاف.
ويتابع الشرقي أن “السبب الرئيسي لإنهاء عمل خط الغاز المغاربي الأوروبي هو سياسي محض، في وقت لم تقدم الجزائر أي مبررات اقتصادية دقيقة”، مؤكداً أن “هذا الإجراء يؤثر سلباً في التعاون الإقليمي والصورة الخارجية للمنطقة المغاربية، خصوصاً أن هذا المشروع هو استثمار في منطقة بأكملها وليس في دولة واحدة فقط. هذا التوقف من شأنه أن يجعل المنطقة مغلقة أمام الاستثمارات العالمية الكبرى في مجال الطاقة والغاز ومشاريع واعدة تربح منها الشعوب المغاربية”.
دلالات سياسيّة
ويرى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير أن “تزامن إعلان عدم تمديد العمل بخط الغاز المغاربي، مع وجود أزمة دبلوماسية بين المغرب والجزائر، يجعله يحمل دلالات سياسية أكثر منها اقتصادية”، مضيفاً في حديث إلى “النهار العربي”، أن “الإجراء لا يخدم مصالح البلدان الموقعة على هذا الاتفاق”.
وبحسب شقير، فإن المتضرر الأكبر هو “الدولة الإسبانية، لأنها لن تتمكن من تغطية حاجياتها الطاقية عبر خط الأنبوب الآخر الذي يربط مباشرة بينها وبين الجزائر، الأطراف الأخرى هي أيضاً ستخسر بتفاوت، بحسب المداخيل التي تجنيها من هذا الأنبوب”.
وقالت شركة سوناطراك الجزائرية التي تدير قطاع النفط والغاز في الجزائر، الشهر الماضي، إنها ستزيد طاقة خط الأنابيب “ميدغاز” إلى إسبانيا لتصل إلى 10.5 مليارات متر مكعب سنوياً، بحلول نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، وفي وقت سابق من هذا العام أعلنت إن إمدادات الجزائر إلى إسبانيا سترتفع بعد استكمال وحدة رابعة لضغط الغاز في منشآتها بخط الأنابيب “ميدغاز” في بلدة بني صاف بغرب البلاد، مضيفة أن العملية قد تكتمل بحلول نهاية تشرين الثاني.
الغاز يُذوّب جليد السّياسة
ويشدد شقير على “ضرورة الفصل بين الملفات السياسية العالقة بين المغرب والجزائر والمصالح الاقتصادية والمشاريع الدولية”، لافتاً إلى أن “هذا الأنبوب الغازي يخدم مصالح اقتصادية دولية وإقليمية، وبعيد كل البعد من التوتر السياسي”.
ويرى شقير أن “إبقاء العمل بخط الغاز المغاربي الأوروبي، والعمل على تطويره وتعزيزه، من شأنه أن ينعكس إيجاباً على العلاقات الثنائية المجمدة في الظرف الحالي”، موضحاً أن “أنبوب الغاز استطاع تذويب الجليد بين البلدين في مناسبات عدة سابقة، فيما الضرورة الاقتصادية والتحديات المستقبلية تفرض الإبقاء على العمل به لأجل الحفاظ على صورة المنطقة المغاربية في التعاون وإنجاح الورش الدولية الكبرى”.
تجدر الإشارة إلى أن إمدادات الجزائر لإسبانيا في السنوات الخمس الماضية بلغت عبر خط الغاز المغاربي 34.8 مليار متر مكعب سنوياً، بمعدل 52 في المئة من صادراتها إلى إسبانيا، ويمد الخط المغرب بمليار متر مكعب سنوياً، ويساهم بتوليد 27 في المئة من الكهرباء في المغرب.