المسكوت عنه.. وعائلة القناعات
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

نعم، لا أحد يود الحديث عني، فأنا ضيف ثقيل. فلا الحكومة تحبني، ولا كتّاب المقالات يودون لفت نظرها لوضعي المأساوي، وحتى عندما يحاول نائب في البرلمان الحديث عني ينشغل البقية عنه، أو يغادرون، وحتى اللجنة المعنية لا تحظى بأي اهتمام، وأعضاؤها يتم اختيارهم بالتزكية، وغالباً من التيارات الدينية أو أنصاف المتعلمين.

قصتي قديمة، بدأت مع ما لقيته من إهمال عام 1911 عندما سعى البعض إلى تأسيس أول مدرسة نظامية خاصة في الكويت، فواجهت العراقيل مساعيهم، ولولا عزم من كانوا وراءها لماتت حينها في مهدها، ولكنها أرهقت الجميع ودفعتهم إلى تسليمها للحكومة، ثم زحفت موجة التخلف بعد بضعة عقود، وبرضا رسمي، وقضت على كل أمل في إنعاشي، فمتّ سريرياً.

مشاكلي مرهقة نفسياً ومالياً وسياسياً، والحلول لوضعي صعبة، فطلباتي كثيرة، ونتائج أعمالي تأخذ وقتاً، ومتطلباتي لا تعد ولا تحصى، وبالتالي لا أحد يرغب في مرافقتي. وبالرغم من تخصيص «أولياء الأمر» من يرعون شؤوني، فإنهم لم يبقوا في مناصبهم إلا لفترات قصيرة، ليتغيروا الواحد تلو الآخر، بعد أن ضاقوا ذرعاً بطلباتي أو لم يفهموني، عدا قلة فقط بقيت وعرفت حقيقة عللي، ولكن حتى هذه أُفشلت خططها وبرامجها، وأجهضت محاولاتها لانتشالي من وضعي المأساوي.

المحير في الأمر أن أكثر الناس حاجة إليّ هم أقل الناس اهتماماً بي، وكلما أهملوني وكرهوني زاد جهلهم، ليستمر تجاهلهم لي، وهكذا أصبحنا جميعاً ندور في حلقة جهنمية لا نهاية لها!

ربما السبب في كره البعض لي لأنني أمثل النور، أو بالأحرى أنا النور، ومن يحاربني يعشق الظلام، فتحت أستاره يكون الكسب أكثر وأكبر.

أنا التعليم… أنا مفتاح أسرار الكون، أنا كنز العلم، أنا سيف محاربة التخلف، أنا مخرج الأمم من الظلمات، أنا من يُعلّم كيف تدار المصانع، ومن حروفي يتعلم الطالب كيف تُبنى الجسور وتُشق الجبال وتُعبّد الطرق، أنا من ينمي الثروات، ويحفظ الاقتصاد، ويحسّن الصحة، ويقي من الأوبئة ويطيل أعمار الأطفال، ويخفف الآلام، ويدافع عن حقوق المظلومين، ويفض المنازعات ويبين الحدود، ويقصر مسافات السفر ويبني ناطحات السحاب، ويدافع عن الحدود والسدود.. وبضعفي تضعف الأمم وتنهار الحضارات! فمن أراد الخير كله، فعليه بالعلم والدرس وتطوير التعليم، فلا أمل بغير الاستعانة بي.

بدأت علاقتي بعائلة القناعات في مرحلة مبكرة وبقيت حية حتى اليوم عبر مجموعة من الصداقات التي لا تقدر بثمن، والتي ستستمر ما حييت.

تعتبر هذه العائلة رائدة في الكثير من المجالات، وهي كأية عائلة كبيرة، لها ما لها، وعليها ما عليها، ولكن عملاً واحداً، من ضمن عشرات الأعمال الجميلة الأخرى، يشفع لها عن كل مثالب بعض من انتمى إليها، وهو سعيها الرائع عام 1977 إلى تأسيس مدرسة بيان، ثنائية اللغة، التي كان لها الدور المحوري، ونقطة التحول في حياة كل أو أغلبية من درس بها، ومنهم أبنائي الذين كانوا من بين أوائل من التحق بها.

أسست المرحومة فوزية حمد السلطان مدرسة بيان، وكانت قائدة فريقها، الذي شاركها حمل مسؤولية تأسيس مدرسة رائدة ونموذجية، مهدت الطريق لمستقبل رائع للتعليم في البلاد، وكان سر نجاحها ما تحلت به مؤسستها من رؤية ورسالة واضحة منذ اليوم الأول، وهذا أهّلها لأن تنجح، وتصبح أكثر المدارس الخاصة تأثيراً في تاريخ التعليم في الكويت.

عرفتُ أهمية بيان وصلابة منهجها يوم التحق أبناؤنا بمدرسة «سانت هيلدا» في بريطانيا، عندما انتقلنا للعيش هناك في الثمانينيات، حيث لم يجدوا صعوبة تذكر في التأقلم مع أجواء المدرسة الغريبة عليهم كلياً، خصوصاً بعد أن علمنا تالياً أن طابعها محافظ جداً، وأغلبية طلبتها من أبناء الأسر اليهودية الموسرة. ولا شك في أن الفضل في سهولة تأقلمهم كان لسنوات دراستهم في «بيان».

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى