العودة لموضوع العزاء
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
التقيت بصديق في حفل عشاء، لم يتأخر في توجيه لوم شديد لي، أمام الآخرين، لتخلفي عن تقديم العزاء له بوفاة والدته!
جوابي أو عذري كان بسيطاً، وهو عدم علمي بالخبر، وغالباً لأنني كنت في الوقت الذي ذكره خارج الكويت، وما كان يجب أن يعطي الموضوع كبير اهتمام، خاصة أن الأمر لم يكن يتطلب مني حينها، لو كنت أعلم بوفاة والدته، غير اتصال هاتفي أو رسالة واتس أب، مجانيين. كما إننا نادراً ما نلتقي أو نسعى إلى معرفة أخبار بعضنا البعض، وعلاقتنا لا تزيد عن لقاء سنوي واحد أو اثنين، بالكثير!
استغربت تالياً مواقف البعض الذين يعطون أهمية وثقلاً لموضوع من عزاه ومن لم يعزّه، ويحمل العتب في قلبه على «المقصّر»، من دون أن يكلف نفسه إعطاء الطرف الآخر العذر، أي عذر، وهذه من سمات المجتمعات أو العقليات المتخلفة، علما بأن والدي تُوفّي قبل فترة، وكان طبيعياً تخلّف البعض، لأسباب خاصة بهم، ومن أقرب المعارف، عن تعزيتي بوفاته، فهذه طبيعة الحياة، وأعطيت كل طرف الحق في الشك!
تُوفي قبل بضعة أشهر معلم كويتي معروف، حالت ظروف الكورونا حينها، وما تزال، دون تواجد أهله في ديوانهم لتلقي العزاء بفقده.
قام بعدها ابن المرحوم بكتابة مقال اتسم بالكثير من العقلانية، ولم يخل من العاطفة طبعاً، وسبق أن كتبنا عنه، شاكراً فيه ظروف الوباء التي أتاحت له، من خلال المكالمات التي تلقاها لتعزيته بفقد والده، ورسائل العزاء المكتوبة أو الصوتية بالواتس التي وردته، لأنها أتاحت له فرصة ثمينة لمعرفة جوانب إيجابية عدة وخصالاً طيبة في شخصية والده ودوره التعليمي البارز وفضله على الكثيرين، والتي ما كان من الممكن أبداً معرفته بها من خلال عزاء تقليدي في المقبرة أو الديوانية، حيث لا يسمح الوقت ولا الظرف لكل معزٍّ بأن يعبّر عن حقيقة مشاعره، تجاه المتوفى، فالوقت في تلك المواقف بالكاد يكفي لهز اليدين، وتكرار قول «عظّم الله أجركم».
أسدى ابن المرحوم الشكر في مقاله لكل من اتصل وأرسل رسالة صوتية أو نصية عن طريق الواتس، مطالباً المجتمع بتكريس العرف الجديد، المؤقت، وجعله نمطاً دائماً وجديراً بالاتباع في مناسبات العزاء القادمة، بحيث يكون اليوم الأول في المقبرة متاحاً للجميع، كما كان الحال قبل نصف قرن تقريباً، وتغيّر مع طغيان المظاهر، وترك بقية أيام العزاء لأهل الفقيد فقط، واكتفاء بقية المعزين، ممن لم يتواجدوا في المقبرة، بتقديم العزاء من خلال الاتصال الهاتفي أو بإرسال برقيات التعزية أو الرسائل الصوتية أو النصية، أما التعزية للنساء فتبقى كما هي.
لا شك أن ما ذكر في ذلك المقال جدير بالملاحظة، ويستحق التوقف عنه، وهذا ما سبق أن ذكرناه. وقد لا يكون الأمر سهلاً على البعض، ولكن لو قامت أية أسرة كبيرة، ذات ثقل سياسي واقتصادي، بتكريس هذا العرف الجديد، مع أول حالة وفاة فيها (وهذا ما لا نتمناه بطبيعة الحال لأحد، ولكنها سنة الحياة)، فسيسهل الأمر على من يأتي بعدهم، بعد تلمس مدى فوائد هذه الطريقة وعمليتها لأية أسرة، لما تتضمنه من توفير لوقت الجميع، وتسهيل الأمر على كبار السن، وخاصة من أهل المتوفى.