الإبداع يتراجع أمام الخوارزميات
بقلم: حافظ البرغوثي
النشرة الدولية –
صار بالإمكان الآن أن يطلب العبد الفقير لله مقالا بعنوان كيف تصبح رأسماليا في سنة دون أن يعرف طرائق الاستثمار والعقار ولا دق المسمار مثل النجار، والفضل يعود للذكاء الصناعي فيمكن أن تلقم الحاسوب ابن كمبيوتر الخوارزمي برنامجا، وتلقم البرنامج كل ما كتب عن أساليب الاستثمار عبر القرون الأخيرة وتخرج بمقال بأفكار الخبراء الاقتصاديين ونظرياتهم الاقتصادية وأنت لم تقرأ أي بحث لهم مطلقا ويزفك الإعلام كخبير منقطع النظير.
فالبرامج القائمة على الذكاء الصناعي باتت تشمل كل مناحي الإبداع سواء العلمي او الأدبي او الموسيقي أو الفني. فيمكن للإنسان الآلي أن يرسم لك لوحات مستوحاة من لوحات كبار الرسامين في العالم وتدمغها بتوقيعك وتعرضها كإبداع من بنات أفكارك وليست لقيطة، في السابق كان هناك كتاب لا يكتبون بل يكتب لهم فيشترون إبداع المبدع المحتاج بالمال وينسبونه إليهم.
وذات سنة تعرفت على كاتب مبدع رحمه الله وتداولنا أمور الكتابة والثقافة فقال إنه لم يعد يهتم إلا بالمال وقد بلغ من العمر عتيا، وفتح درج مكتبه وأخرج قائمة أسعاره وقرأت فيها: مقال ادبي 20 دينارا كويتيا مقال نقدي ثلاثين دينارا، استعراض كتاب صدر حديثا 50دينارا ، مقال غزلي وخواطر 40 دينارا وهلمجرا وجرجرا. فقلت له وكيف تستعرض كتابا أسبوعيا فقال ”الأمر بسيط بعد ذكر اسم الكاتبة وما صدر عنها من قبل أذكر دار النشر وعدد صفحات الكتاب ثم أقفز إلى الصفحة الرابعة والعشرين مثلا، فأذكر سطرين مما فيها وأذهب إلى صفحة أخرى فأبدي إعجابي بما ورد في السطر السابع عن خيبة أملها من صديقها وأقارنها بإحدى الكاتبات الشهيرات، وأنتقل إلى الصفحة الثانية بعد التسعين وأقتبس فقرة منها وهكذا، فأنا لا أقرأ الكتاب شخصيا، أعرف أن هناك رجال صحافة لم يكتبوا مقالاتهم فكان بعض الصحفيين يكتبونها نيابة عنهم وهناك كتب لم يؤلفها من ظهرت أسماؤهم عليها. فالإبداع يشترى وغير الإبداع. كلنا نذكر الفضيحة الفنية في إيطاليا عندما كان بعض مشاهير الرسم يطلبون من خادماتهم أن يخربشن بالألوان على اللوحات ويعرضونها كلوحات من عملهم. فالإبداع كان يشترى ويباع. لكن الأمور حاليا سهلة، فالبرامج والتطبيقات والخوارزميات تجعل الكومبيوتر يؤلف شعرا نيابة عنك على نسق وروح أي شاعر تريده وهذا موجود على غوغل، لكن هناك برامج خاصة بالموسيقى فتصير موسيقيا دون أن تعرف النوتة لأن البرامج تتولى ذلك فيكفي أن تلقم برنامج الذكاء الصناعي بسيمفونيات بيتهوفن فتحصل على مقطوعة، لكن اذا أصيب الحاسوب بخلل فقد تحصل على أغنية لشعبان عبد الرحيم أو يلقم زميلنا تاج الدين البرنامج الشعري بقصائد الشاعر الإيرلندي اليوت فيحصل على قصيدة نبطية تقول كلماتها
اشتاقلك شوقن له الشوق يشتاق
شوقن يشوق شايق الشوق شوقه
فالإبداع البشري يتراجع أمام الذكاء الصناعي، ولا عزاء للمبدعين.