جاسم السعدون: دولة الكويت لديها ما يكفي من أرصدة لتتحول إلى مركزٍ مالي تجاري

أؤيد فرض الضرائب لكن عندما تثبت الحكومة أهليتها لاستحقاقها

النشرة الدولية –

الجريدة الكويتية –

شدّد الخبير الاقتصادي جاسم السعدون على أن «دولة الكويت لديها ما يكفي من أرصدة لتتحول إلى مركزٍ مالي تجاري. ولا يزال بالإمكان إنقاذها اقتصادياً وحلّ الأزمة الراهنة من خلال وقف النفقات العامة وزيادة الإيرادات بشكل عام».

وأكد أنه لا يزال عند موقفه من جدوى فرض الضرائب، بشرط أن تكون الحكومة راشدة ومؤهلة لاستحقاقها، مؤكدا ضرورة تنويع مصادر الدخل وتحويل الاقتصاد الكويتي إلى اقتصاد منتج مستدام.

جاء كلام الخبير الاقتصادي خلال حلقة حوارية جمعته بطلاب «الجوهر»، وهو البرنامج التدريبي الذي تقيمه أكاديمية لوياك للفنون الأدائية – لابا، حيث تنوّعت المحاور لتكشف الجوانب السياسية والإنسانية والتجارب الشخصية للسعدون، إضافة إلى مسيرته المخضرمة ورؤيته للأوضاع المالية والاقتصادية في الكويت والمنطقة.

عقدت الحلقة في فندق فور بوينتس شيراتون – الكويت، عبر تطبيق زووم، بإشراف الإعلامية اللبنانية نيكول تنّوري وعدد من طلاب البرنامج من الكويت، والسعودية والبحرين ولبنان ومصر.

وكانت تنّوري قد تولّت تدريب الطلاب المشاركين في ورشة عمل حول كيفيّة إعداد الأسئلة وسبل تطبيق مهاراتهم الحوارية مع شخصية عربية ريادية. وإذ أعربت عن سعادتها بالمشاركة في اللقاء، قالت: «ندرك اهتمام ضيفنا بالجيل الجديد الذي نركن بدورنا لقدراته من أجل مستقبل أفضل في الوطن العربي والعالم أجمع».

في مستهلّ حديثه، شدّد السعدون على “ضرورة تنويع مصادر الدخل وخلق اقتصادٍ مستدام، لا سيما أننا نعتمد فقط على النفط كمصدر وحيد للدخل، علمًا بأنه أصل غير مستدام يتآكل بالنضوب أو بالتقدم العلمي”.

وقال ردًّا على سؤال عبدالله المدفعي: “الاقتصاد علم استباقي لا وصفيّ، وقد سبق أن حذّرت من الواقع السيئ الذي وصلنا إليه، فنحن اليوم أمام مشكلتين: مشكلة السيولة وعدم القدرة على دفع الرواتب، والتي يجب حلّها عبر الاقتراض أو حتى استخدام إيرادات الاحتياطي، بشرط أن يتم التصرّف بها بطريقة حكيمة”.

وأردف: “أنا أؤيد فرض ضرائب على أصحاب المداخيل المرتفعة، لكن عندما تصبح الحكومة راشدة تثبت أهليتها واستحقاقيتها للضرائب، فهذا إضافة إلى ضبط النفقات العامّة ووقف الهدر من شأنه تحويل الاقتصاد الكويتي إلى اقتصادٍ منتج، على أن يأتي النفط كدخل مكمّل”، مستعرضا نماذج لدولٍ عزلت إيرادات النفط وحافظت على صناعاتها وحرفها التقليدية.

وأضاف: “أمّا الاستدامة الاقتصادية فتحتاج إلى تغييرٍ جوهري في الإدارة العامّة وتحديدًا في الحكومة والنظام التعليمي، ليتوافق مع الوظائف المطلوبة، فدولة الكويت لديها ما يكفي من أرصدة لتتحوّل إلى مركزٍ مالي تجاري يخلق العديد من فرص العمل والخدمات ويستقطب أصحاب الكفاءات”.

وعن عدم تبنّي الحكومة لأفكاره الإصلاحية، أجاب السعدون: “قدمت خلال مرحلة الثمانينيات دراسة للحكومة مرفقة بخطة عمل، لكنها تصرفت عكسها، والسبب يعود إلى هيكلية مجلس الوزراء والتعيينات العامّة التي لا تعتمد معيارَي الكفاءة والخبرة في اختيار معظم المديرين وأصحاب المناصب، لذك رفضت المشاركة مجددًا، لكونهم يسمعون النصائح ويأخذون الدراسات ولا ينفذون منها شيئًا”.

السعدون، الذي دعا الطلاب إلى “المثابرة والنضال والضغط من أجل ضمان مستقبلهم ومصيرهم”، أسف لـ “ما نشهده من فائضٍ في عدد الموظفين الحكوميين، ومن بطالة مقنّعة قاربت 50 أو 60 بالمئة”، منبها إلى عواقب وخيمة يمكن أن تتعرض لها أي دولة “في حال ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتفشي الفساد، مما يزعزع الاستقرار ويؤدي إلى انفجار البلاد وخسارة الاستثمارات”.

حلّ أزمة السيولة بسيط

وتعقيبًا على تخفيض تصنيف الكويت السيادي وربطه بتخلّف الحكومة عن تقديم استراتيجية لتمويل العجز في الموازنة العامة، قال السعدون: “بالفعل لم تقدّم الحكومة أيّ شيء، بل تفعل عكس ما تُصرح به. لا علاقة للحكومة بعلاج أيّ مشكلة إطلاقًا، همّها الرئيسي أن تحافظ على وجودها أطول مدة ممكنة. أما فلسفتها السائدة فتقوم على شراء الولاءات، وهو ما يتناقض تمامًا مع أي إصلاح مالي”.

وفي معرض إجابته عن سؤال المشترك الرازي البديوي، حول رفض مجلس الأمّة إقرار قانون الدَّين العام، أكد جاسم أن “حل الأزمة الراهنة في الكويت موجود وبسيط جدا، وهو يقوم على وقف النفقات العامة وزيادة الإيرادات العامّة”.

وشدد على أن “وضع البلد ليس سيئا إلى درجة المستحيل، بل من الممكن إصلاحه وإعادته أفضل ممّا كان عليه، وبالتالي إنقاذ الكويت، إذ إن وضع السيولة هو السيئ، في حين أن وضع المالية جيد، لكن المسألة مرتبطة بالوقت، ليتحول الأخير إلى وضعٍ رديء في حال سمحنا للإدارة ذاتها بتكرار الأخطاء القديمة في الوقت الراهن. فحلّ الكويت ليس بالموارد ولا بالرؤى ولا بقدراتها البشرية، بل بالإدارة العامة وتحديدًا حكومة رشيدة”.

الالتزام بدعم المشاريع المتميزة

واعتبر الخبير الاقتصادي أن “المشاريع الصغيرة والمتوسطة المؤهلة للحصول على الدعم هي تلك التي تخلق فرص عملٍ مستدامة أو سلعًا منافسة بديلة عن المستوردة أو القابلة للتصدير”. وتابع ردًّا على سؤال الطالبة جنان ملا علي: “خلاف ذلك، ستؤدي هذه المشاريع حتمًا إلى دورٍ تنموي عكسي على التركيبة السكانية، وإلى زياداتٍ على النفقات العامة وضغطٍ على المالية العامة”.

وعن كيفية التصرف مع الأشخاص غير المنتجين، قال: “الكويتيون أذكياء ومبدعون، والإدارة الكويتية القديمة تمكنت من تطوير هذا الذكاء ومن إبراز القدرات المتميزة في مختلف المجالات، لكن الإدارة الحالية لم توفر لهم بيئة حقيقية تساعدهم على الإنجاز، ولا التعليم الصحيح كي يبدعوا به. لذلك لا ألوم الموظفين”.

ولفت إلى أنه لا ينظر إلى الإنسان على أساس دينه أو جنسه أو عرقه، إنما وفق معدنه، فقيمة الإنسان هي التي تميزه”.

وحول اقتصار المشاريع الصغيرة في الكويت على المطاعم والمقاهي، كما أشارت الطالبة رانا الوارث، أوضح السعدون أنه “وفي أي مكان في العالم، عندما يُقرر إنشاء أي جهاز توضع له استراتيجية محددة. ولو التزمنا بالمعايير والمواصفات التي تفرضها دولة الكويت على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكان لدينا اليوم مشاريع مهمة جداً، لكن هذه المشاريع مع الأسف استُخدمت أيضاً لشراء الولاءات”.

الاقتصاد عِلمٌ نصقله بالأبحاث

وإذ رأى جاسم أن “الاقتصاديين هم في الحقيقة باحثون”، نصح طلاب الاقتصاد بـ “تطوير معارفهم وخبراتهم من خلال القراءة والمطالعة بشكل مستمر، إضافة إلى إتقان علم الاقتصاد بمدارسه الثلاث، وإلا فسيواجهون صعوبة في عشق هذا العِلم والتعامل معه”.

وفي سياق إجابته عن الطالب أسامة البناي، أكد أنه “لا يوجد ما يسمى تخصصا في الاقتصاد الإسلامي، إنه محض كذب، بل هناك نمط معيّن ضمن تخصص الاقتصاد ومعاملات إسلامية ضمن إطار الاقتصاد العام فحسب”.

الإصلاحات السعودية مشروع واعد للمنطقة

وعن رأيه بالإصلاحات التي بدأتها المملكة العربية السعودية منذ عام 2015، وتحديدًا الإصلاحات الاقتصادية، أجاب السعدون بأن “السعودية تملك مشروعًا حقيقيا للنهوض، بحيث خططت لإنجاز الإصلاحات المطلوبة كافة بحلول سنة 2030، كما حددت المبالغ المطلوبة وعدد المشاريع المستقبلية في المملكة، واضعةً رؤيةً ومسارًا واضحًا، وهو التحول إلى بلدٍ صناعي وجذب استثمارات الشركات الكبرى”.

وأضاف في إجابته عن الطالبة زهرة الفرج: “تريد المملكة الارتقاء من خلال مساهمة القطاع السياحي بما نسبته 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2030، وهذا في حدّ ذاته ثورة بالنسبة للسعودية، ونأمل أن تنجح في ذلك، حيث إن نجاح السعودية ينعكس إيجابًا على دول الخليج عمومًا والكويت بشكلٍ خاص. فالسعودية تشكّل 50 بالمئة من اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي”.

وحول تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فيما يخصّ التوجه نحو إلغاء ضريبة القيمة المضافة بعد خمس سنوات، والتي تُشكّل اليوم نسبة 15 بالمئة، أجاب السعدون: “أعتقد أن الأمر ممكن، في حال نجحوا في المشروع ككل، وبدأ تدفق الإيرادات من غير القيمة المضافة، لكنه قد لا يحدث في حال فشلت المشاريع الأخرى التي من المفترض أن تكون رديفًا يعوّض العجز في الموازنة العامة”.

الأزمة اللبنانية سياسية – إدارية

وفيما يتعلّق بأزمة انهيار العملة الوطنية في لبنان، حذر السعدون أنه “وفي حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فمن المستبعد استرجاع المودعين اللبنانيين والأجانب لأموالهم من مصارف لبنان”. وأكد ردًّا على الطالبة جنان نبعة، أن “تثبيت سعر الدولار لمدة طويلة على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية لكل دولار، كان قرارًا خاطئًا دفع معه المواطنون الثمن، بعد أن انتفت الأمانة المطلوبة في شرح الأوضاع الحقيقية وما يمكن أن تؤول إليه”.

وقال: “الأزمة اللبنانية أزمة سياسية – إدارية وليست اقتصادية، فاللبنانيون مبدعون، ومن الممكن أن ينهض لبنان في غضون 3 أو 4 سنوات، بشرط أن يتخلص من الطغمة السياسية الفاسدة وسلطة المحاصصة. والحل يكمن في الدور الذي تلعبه التجمعات الاحتجاجية، التي جمعت الطوائف والأديان على اختلافها”. ونبّه قائلًا: “عندما يجوع الناس، البديل هو انفجار البلد، غير أن الضغوط الشعبية ضد الفساد في الإدارة اللبنانية، يمكن أن تؤدي إلى انفراجٍ سياسي إيجابي”.

واستكمالًا لمحور الاقتصاد اللبناني، طرحت الطالبة سهير الرفاعي موضوع تواصل رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي مع دولة الكويت لإعادة إحياء عرض سابق مقدّم إلى لبنان لبناء معامل لإنتاج الكهرباء، أجاب السعدون: “تستطيع الكويت أن تُقدم هذه المساعدة رغم وضعها الاقتصادي الدقيق، لكن لن يكون مبلغًا ضخمًا، فلبنان أساسًا لا يحتاج إلى أرقامٍ كبيرة، لكن المشكلة في المحاصصة الموجودة”.

وعن قدرة لبنان على الصمود من دون قروضٍ خارجية، لفت إلى أن “لبنان يتمتع بمصادر دخل أساسية دائمة، وهي تحويلات المغتربين، وبيع الخدمات السياحية، وأموال الاستثمارات المباشرة والاقتراض، لكن الخطأ تجسد في استخدام القروض لدعم العملة الوطنية والمشاريع الوهمية، فلو استُخدمت هذه المصادر في عمليات بناء حقيقية، لما طرأت أي مشكلة اليوم”.

وختم المحور بنصيحة للشباب اللبنانيين، قائلًا: “حافظوا على تماسككم واستمروا بالضغط على هؤلاء الجاثمين على صدوركم، علّهم يتحركون أو تصحو ضمائرهم قليلًا”.

أبو عبدالله… الصيّاد والمزارع والعاشق

وكان السعدون قد ربط عدم وجود أيّ معلومات شخصية عنه عبر المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام، بأن “المواضيع الشخصية ممكن أن تُطرح للعلن في حال كان الشخص ممثلًا، لاعبًا أو حتى سياسيًّا، أما كخبير اقتصادي، فمن المهم أن تُعرف دراساته وأعماله فحسب”.

غير أن الحلقة الحوارية لبرنامج الجوهر لامست الحياة الشخصية للسعدون، وكشفت الجانب الإنساني والفكاهي في شخصية “أبو عبدالله”، الخبير الاقتصادي الجدي والمتزن، حيث سرد للطالب الكويتي فيصل اللحيدان كيف أنه قضى طفولته بعيدًا عن والده الذي كان يعمل في مملكة البحرين، غير أنه كان على تواصل دائم معه، ولم يشعر بالحرمان أو الفراغ. ولدى سؤاله عمن يشبهه من أولاده، قال: “لا أؤمن بتطابق الشخصيات، وأبنائي وبناتي خليط متنوع. فأفضل طريقة للتعليم أن تترك الإنسان يتصرف في حدود حريته ويستفيد من تجربته ويبني شخصيته”.

وعن هواياته، لفت إلى أنه يتحول إلى شخص آخر أيام العطلة ولا يسمع الأخبار. فهو عاشق للبحر وصيد السمك منذ صغره. وتحدث عن بقائه القسري في سلطنة عمان نحو 8 أشهر و10 أيام بسبب جائحة كورونا وإغلاق المطار، حيث كانت تجربة غنية أثمرت شبكة من العلاقات والصداقات. وكشف عن مقالب وطرائف يقوم بها أحيانًا بين العائلة والأصدقاء والمقرّبين.

واستعرض مع الطالبة عفاف العوضي كيف أنه من هواة زراعة البذور والنباتات، متعلّق بكلّ نبتة في حد ذاتها، ويحفظ مكانها جيّدًا ويحزن في حال تضرّرها. إضافةً، إلى حبّه للطبخ، وهي رغبة مكتسبة بالوراثة بين رجال العائلة لا سيداتها، كما معرفته العميقة بأنواع البخور وشغفه بجمعها.

ولم يغفل الحديث عن سيارته وعلاقته المتينة بها، فهو يمتلكها منذ عام 1997 ولا تزال حتى تاريخه، “سيارتي لا تخرب، مْرَيحتني ومْرَيّحها”. أما في الحديث عن الحب، فاستذكر السعدون لقاءه الأول بزوجته أم عبدالله، حيث كان حينها المسؤول الإداري عن مقابلة الباحثين، وكانت بدورها اقتصادية متفوقة في الدراسة. وكان أن عملا لاحقًا في البنك المركزي مدة عامين، قبل زواجهما وسفرهما إلى الولايات المتحدة الأميركية.

في ختام الورشة، شكرت رئيسة مجلس إدارة أكاديمية لابا، فارعة السقاف، السعدون على وقته وخبراته وتجاوبه مع الطلاب، كما أشادت بجهود تنّوري في الورشة التدريبية، وقدرات الطلاب والطالبات المشاركين والمشاركات.

حضر الحلقة الحوارية كل من رئيس مجلس إدارة إتحاد شركات الاستثمار، صالح السلمي، ونائبة رئيس مجلس إدارة اتحاد شركات الاستثمار، فدوى درويش، والأمين العام لاتحاد مصارف الكويت، حمد الحساوي، وأفراد من عائلة السعدون.

ويواصل برنامج الجوهر نشاطه الثقافي في موسمه الثاني برعاية شركة المركز المالي، وجريدة الجريدة، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون. ويقدّم البرنامج للشباب العربي ورشاً إعلامية مكثفة على يد أبرز الإعلاميين العرب، لتدريبهم على فنون ومهارات الحوار الإعلامي لمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة في شتى المجالات بالوطن العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى