الأمن الرياضي… ما بين الواقع الميداني والعالم والافتراضي
بقلم: د. دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
منذ بدء الخليقة قام وجود الإنسان على أساس الحق والواجب، وكان له أن ينل حقه وأن يؤدي واجبه. وكان الناس منذ القدم قد سنوا حقوقهم وواجباتهم بدافع حاجتهم الماسة الى ضوابط للعلاقات التي تربطهم ببعضهم، وتمثلت تلك الضوابط فيما تعارف عليه أهل كل مجتمع من عادات وتقاليد وأخلاق ونظم وقوانين. واعتبر الناس حقا أن القانون هو من أهم وسائل ضبط العلاقات بينهم في كل المجالات؛ وذلك لقناعتهم بقوته، وبوجوب احترامه وتطبيقه، وقيام السلطات الحاكمة بتطبيقه، ومن ثم وضعت القوانين على قاعدة تحقيق الغايات الهامة ومن أهمها الأمن في المجتمع في كل المجالات، والعدل والمساواة في تطبيق القوانين بين أفراد المجتمع، وحرية أفراد المجتمع في القيام بكل عمل صالح. ولأن هذه أهم غايات القاعدة القانونية فأن للقوانين أهدافا متعددة تختلف وتتفاوت بل تتضارب أحيانا بين مجال ومجال؛ نظرا لتنوع طبيعة الأنشطة في المجالات المختلفة.
وعند النظر الى ما تمثله الرياضة في حياة الناس من أهمية، وما للرياضة من علاقة بمختلف أوجه الحياة؛ من سياسة واقتصاد وصناعة وزراعة وصحة وسلامة وتربية وتعليم ودفاع وأمن، وغيرها من المجالات الأخرى، فأن الأمن الرياضي من شأنه أن يسهم بنصيب هام في أمن مختلف المجالات التي لها علاقة بالرياضة. وعند التسليم بهذه الحقيقة يكون علينا أن نشرع للأمن الرياضي من القوانين والعقوبات ما يتناسب مع أهميته.
عند الحديث عن الأمن الرياضي فأننا نتحدث عن مجموعة من المجالات التي تنظم عمل وآلية الرياضة من بينها آلية حماية الرياضة والحوكمة ومكافحة الفساد في الرياضة والتلاعب في نتائج المباريات، الى جانب مكافحة المنشطات، وكذلك الأبعاد الاقتصادية للرياضة، والأبداع والتحول الرقمي، والاندماج الاجتماعي ودبلوماسية الرياضة على نحو يسهم في تفعيل وتنظيم عمل وآلية الرياضات الأردنية.
لقد تحدثنا كثيرا عن ظاهرة الشغب والعنف في الملاعب الرياضية، خاصة في كرة القدم التي تستحوذ على أكثر من نصف هذا الشغب، الذي يعد ظاهرة عالمية لا تفرق بين دول متقدمة وأخرى متخلفة، لكن وجدنا مؤخرا ظاهرة أخرى لا تقل أهمية عن ظاهرة الشغب بالملاعب، وهي ظاهرة تبادل الشتائم والمسبات والإساءة للأندية الرياضة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من الأمن الرياضي، ويجب الوقوف هنا بسن القوانين التي تفرض عقوبات على كل من يسيء الى النوادي الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي وفرض غرامات بمقدار معين تتناسب وحجم الضرر.
لقد أصبح موضوع الأمن الرياضي من الأمور المهمة التي تهتم بها الدول، وقد تم فعلا تشكيل اتحاد دولي لهذا الأمن مقره دولة قطر يتابع كل الأمور الأمنية التي تحتاجها الرياضة في العالم، وتشمل أساليب عصرية تربوية للحد من ظاهرة العنف داخل الملاعب وظاهرة تبادل الشتائم ضد الأندية على مواقع التواصل التي أتمنى أن يتم الاهتمام بها عالميا وليس محليا، ويشمل أيضا سلامة المنشآت والجمهور واللاعبين والحكام والاداريين والمدربين، وكل ما يتعلق بالأحداث الرياضية أو السلوك الرياضي؛ لأن الأمن الرياضي أصبح من الأمور التي تسعى الدول لتوفيره على ملاعبها وصلاتها قبل وبعد الأنشطة الرياضية، نظرا لخطورة هذا العنف سواء الميداني أو الافتراضي والتجريح والإساءة للأندية ومشجعي هذه الأندية التي نكن لها جميعنا كل الاحترام والتقدير.
للأسف بات مؤخرا ربط الرياضة وهي معلم مهم من معالم أي دولة ومظهر حيوي يرفد الاقتصاد والقطاعات الحيوية بموضوع السياسة ” الدبلوماسية الرياضية ” وأصبحت الرياضة وسيلة للتأثير في العلاقات السياسية والدبلوماسية، وقد تسمو الدبلوماسية الرياضية فوق الاختلافات الثقافية وتجمع الناس سوية أو قد تفرقهم كما فرقتهم السياسة.
وبرأيي ن العلاقة بين الرياضة والسياسة علاقة جدلية يسهم كلاهما في بناء السلام المستدام بين الشعوب والدول، فمن المسلمات في السياسة الدولية أن الرياضة تسهم في علاج المشكلات السياسية بين الحكومات، وتفتح أبواب التصالح بين الدول، وإن تسببت الرياضة في أزمة بين الشعوب تتدخل السياسة وتعالج ما نتج عن انفعالات المشجعين .