الارتدادات “الإيجابية” للغضب السعودي على “حزب الله” بدأت.. تُزهِر
بقلم: فارس خشّان
النشرة الدولية –
سمح تدهور الأزمة بين المملكة العربية السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، من جهة ولبنان، من جهة أخرى بقياس حجم العبء الذي يمثّله “حزب الله” على غالبية اللبنانيين.
وقد حاول “حزب الله” نسف رمزية انحياز هذه الأكثرية اللبنانية لمصلحة المطالب السعودية، بتوجيهه إليها تهماً تبدأ بـ”التبعية” ولا تنتهي بـ”النفعية”.
ولكنّ هذه التهم التي تصح، من دون أدنى شك على نوعية علاقة “حزب الله” بإيران، لا تصح في وضعية غالبية مَن وجدوا في “الحدث السعودي” مناسبة جديدة للإعراب عن “ضيق صدورهم” من وطأة “حزب الله”.
في الواقع، لقد وجدت قوى سياسية، في السلوك السعودي التصعيدي، نوعاً من الدعم الاقليمي لتفصح عمّا كانت تُضمر قوله، ولتتقدّم في اتجاه ما كانت تنكفئ عنه، في حين أنّ القوى الشعبية، ونعني بها جماعات ومواطنين عاديين، اعتبرت أنّ رؤيتها المناهضة لـ”حزب الله” قد ترسّخت في الخارج.
وهذا يفيد بأنّ الخارج هو مَنْ لاقى اللبنانيين وليس العكس، كما يزعم “حزب الله”.
وليس خفيّاً، في هذا الإطار، أنّ شعبية فرنسا عموماً وشعبية رئيسها إيمانويل ماكرون، قد تدهورت، بشكل دراماتيكي، في لبنان، حين انكشفت الصلات الرسمية التي تربط باريس بـ”حزب الله”، وبعدما جرى التوافق بين ماكرون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي على إشراك الحزب في تشكيل الحكومة الحالية.
ولا يتوقف كثيرون عند التداعيات المالية والاقتصادية للتصعيد السعودي، على اعتبار أنّ الكارثة وقعت، قبل ذلك، وهي كانت ستنمو حتى لو أبقت الرياض سياستها اللبنانية عند مستوى “عدم الاكتراث”، ودليلهم على ذلك أنّ الحكومة التي حيكت ”أساطير” عن “إمكاناتها الإنقاذية”، أدخلها “حزب الله” في الغيبوبة، بعد ثلاثة أسابيع فقط من انطلاقتها، لأنّه شاء أن يفرض عليها وظيفة غير دستورية تقضي بالتخلّص من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، انطلاقاً من معلومات تفيد بأنّه يريد تعميق تحقيقاته عن قرائن من شأن ثبوتها تبيان تورط هذا الحزب في أكبر جريمة ضربت لبنان.
ولأنّ المسألة كذلك، يركّز هؤلاء على التغييرات التي يمكن أن يُنتجها “الغضب السعودي”، لأنّها وحدها قادرة أن تفتح كوّة في جدار الأزمة اللبنانية السميك.
وعليه، فإنّ الملاحظ أنّ انعكاسات هذا “الغضب السعودي” تخطّت القوى المعارضة تقليدياً لـ”حزب الله” لتصل الى تلك التي كانت تتحالف معه أو تسايره.
إنّ الكلمة التي وجهها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعيد عودته من “قمة المناخ” حيث اجتمع على هامشها بعدد من الشخصيات الدولية، ومن بينهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأمير قطر تميم بن حمد، ووزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، تميّزت بنبرتها العالية ضد سلوك “حزب الله” الذي يعطّل الحكومة ويقف خلف منع وزير الإعلام جورج قرداحي- صاعق تفجير الأزمة – من الاستقالة، على الرغم من أنّ هذه الاستقالة هي شرط لا بدّ منه، لإطلاق حوار لبناني – سعودي يعيد الحال، بالحد الأدنى، إلى ما كانت عليه، بعدما كان طموح البيان الوزاري تطوير العلاقات، بهدف إعادتها الى طبيعتها التفاعلية الإيجابية.
ولا يقف ميقاتي وحده في هذا المسار، إذ إنّ المعلومات كما الإشارات تبيّن أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو حليف “حزب الله”، يدعمه، بقوة.
وبالفعل، بالتزامن مع كلمة ميقاتي، صدر بيان غير مسبوق عن وزارة الخارجية اللبنانية التي هي بعهدة الوزير عبد الله بو حبيب المحسوب على عون، عبّرت فيه عن “إدانتها واستنكارها الشديدين للمحاولة الفاشلة للاعتداء بواسطة طائرتين مفخختين على المملكة”.
وقد أورد البيان أدبيات بدت، للوهلة الأولى، أنّها صيغت في العاصمة الإماراتية وليس في العاصمة اللبنانية.
وكانت أولى بوادر الأزمة اللبنانية السعودية قد انطلقت، عندما رفضت وزارة الخارجية اللبنانية، وكان على رأسها يومها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، اتخاذ موقف مندّد بالهجوم “الحوثي” على منشآت “أرامكو” النفطية.
وقد جاء موقف وزارة الخارجية اللبنانية، أمس على الرغم من بقائها في عهدة الفريق السياسي نفسه، في إطار مسار يتناقض، كلياً، مع المسار السابق.
وهذا يعني أنّ “الغضب السعودي” والتأثيرات الشعبية التي تركها، بدأت تُعطي ثمارها، إذ يسعى الجميع، بالملموس، هذه المرّة، إلى فكّ ارتباطه الشامل بإرادة “حزب الله”.
في واقع الحال، لقد فضحت “دردشة” مسجّلة بين وزير الخارجية اللبنانية ومراسلي وسائل الإعلام الخليجية في لبنان الذين “سرّبوه” إلى صحيفة “عكاظ” السعودية، أمام الرأي العام، الوجه الخفي لحلفاء “حزب الله” في لبنان، بحيث اتّضح، بما لم يعد يقبل أدنى شك، أنّ “تواطؤهم” مع هذا الحزب، على حساب المصلحة العامة، يعود إلى شعور بهزيمتهم أمامه، من جهة وحاجتهم الى “خدماته السلطوية” من جهة أخرى.
وقال أبو حبيب، في نهاية هذه “الدردشة”، إنّه، في يوم من الأيّام، ردّ على الضغط الذي كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب تمارسه على لبنان للوقوف في وجه “حزب الله”، على الشكل الآتي: “إذا أرسلتم إلى لبنان مائة ألف مارينز وخلّصتمونا من حزب الله، وأردتم أن تحتفلوا بذلك، فنحن من سيقدّم الشامبانيا”.
ولم يصل معارضو “حزب الله” المعلنون إلى النطق بمستوى هذا الحديث الذي نطقت به شخصية محسوبة على فريق حليف للحزب.
وكلّ هذا ليس سوى غيض من فيض عن حقيقة نظرة اللبنانيين الى “حزب الله”.
إنّ “حزب الله”، ولو حاول تمييع هذه الحقيقة اللبنانية بادّعاءات وحجج وتهجّمات واتّهامات مختلفة، إلّا أنّه يدرك إدراكاً تاماً أنّ موقعه الدقيق هو خارج قلوب اللبنانيين، ولذلك تجده، بين الفينة والأخرى، يُذكّر بقوته العسكرية وبقدراته الأمنية.
وعندما تحدّث الأمين العام للحزب حسن نصرالله عن “أسطورة” المائة ألف مقاتل، إنّما كان يستهدف في كلامه جميع هؤلاء الذين يمكن أن يفكروا بـ”تجاوزه” يتقدّمهم الجيش اللبناني، بعدما ثبت، بالوجه القاطع، أنّ اشتباكات الطيّونة التي ينسبها الحزب كلّياً، الى “حزب القوات اللبنانية”، قد بدأت مع قوة من الجيش كانت قد فتحت النيران على مجموعة تابعة للثنائي الشيعي، اعتدت عليها، في محاولة منها لاقتحام منطقة عين الرمانة.
بطبيعة الحال، لن يستسلم “حزب الله” لهذا “التمرّد” اللبناني، رسمياً وسياسياً وشعبياً، عليه، وسوف يتوسّل كلّ إمكاناته لقلب الطاولة على الجميع، ليُعيد الإمساك بزمام الأمور، ولكنّ الأكيد أنّ إدراك اللبنانيين، على أيّ مستوى كانوا، أنّ سياساته هي التي تقف وراء مآسيهم المتلاحقة، سوف يُصعّب عليه هذه المهمة، لأنّ “عشّاق السلطة” يتنازلون عن مبادئهم، ليكونوا في “واجهة محترمة” وليس في “معصرة” يمكنها أن تحوّلهم الى “نفايات سياسية” يلعنها الحاضر والتاريخ في آن، ولأنّ الرأي العام يمكن أن “يصمت” على أيّ تنازلات إذا كانت تنعكس على أوضاعه إيجاباً، ولكنّه يستحيل أن يقبل بها إذا أمعنت في تأجيج نار جهنّم التي تلتهمه.
وبهذا المعنى، فإنّ “الغضب السعودي” يُمكن أن يرتد إيجابياً على لبنان، إذا ما ثابرت القوى السياسية والشعبية، الدفع في اتجاه إجبار “حزب الله” على إدخال تغييرات أساسية في سلوكه، بحيث تبدأ المعالجات بترييح الدولة من بعض أعباء… الدويلة.