مطلوب رئيس وزراء للأردن
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

حلم غريب طاردني في ليلتي، وقد يكون كابوساً، لأنني شاهدت فيه العجب العُجاب، فقد حلمت بأن الصحف الأردنية نشرت إعلان توظيف لمنصب رئيس الوزراء بما أنه منصب بالتعيين وليس بالانتخاب، وكان واضحاً من الإعلان بأنه يحق لجميع أفراد الشعب أن يتقدموا لهذه الوظيفة، وكأي وظيفة كان هناك العديد من الشروط التي يجب توفرها في المُتقدم للحصول على لقب “صاحب الدولة”، بل ان الشروط كانت عديدة وكثيرة ومتنوعة لاختيار الافضل، واشترط الإعلان أن يكون الرئيس صادقاً أميناً يسعى لخدمة الشعب ويطبق العدالة الإجتماعية، ويُحاسب القوي وينتصر للضعيف، وأن ينبذ الواسطة والمحسوبية ولا يقوم بتعيين أقاربه وأصدقائه وزوجاتهم في المناصب العليا، كما إشترط الإعلان أن يعرف الرئيس جغرافية الأردن ويحفظ تاريخها وأسماء مئة قرية من جميع المُحافظات على أقل تقدير.

واشترط الإعلان أيضاً أن يكون قادراً على حماية حقوق المواطنين، وهذه هي الخطوة الأهم لصناعة أمةٍ قوية قادرة على التعافي والتطور ثم النهوض والإنطلاق لمنافسة دول العالم في الريادة والإزدهار، وأن يكون المُتقدم للوظيفة قادراً على فعل الصواب للوطن بعد إستشارة أصحاب الخبرات وليس المقامات، وأن يملك الجرأة والقدرة على محاربة الفساد والتصدي للفاسدين والإرتقاء بحقوق الإنسان والمواطنة والحريات وجلب الإستثمارات، وصناعة الثقة المتبادلة بين القطاعين الحكومي والخاص بفضل علاقات مرنة لا تقوم على المنافسة والبحث عن المصالح ضيقة الأُفق.

وركز الإعلان على ان يملك الرئيس مهارات خاصة بالتركيز على القيم الإيجابية النهضوية كقوة مؤثرة فعلياً وليس كشعار فاقد لقيمته، وأن يكون الرئيس قادر على إستعادة الثروات المنهوبة والمُعارضة الخارجية حتى تُطلق صوتها من داخل الوطن.

وقد تكون هذه الشروط تعجيزية كونها ليست على مقاس أبناء العائلات التي إعتادت السيطرة على هذا المنصب، بل ان من يمتلك هذه الصفات الشاملة لن يتجاوزوا عدد أصابع اليد الواحدة هذا إن وجدناهم من الأساس، وحتى من يمتلك هذه الصفات لن نستطيع الإستدلال عليه لأنه سيكون منبوذاً ممنوعاً من التوظيف في الدولة، كونه قادر على نقل الصفات الإيجابية للآخرين، وهي صفات تتعارض مع رغبات الفاسدين أصحاب القوة المُطلقة، بل إن من تنطبق عليه هذه الصفات سيجد نفسه على طريق المطار مُغادراً الى دول العالم للبحث عن وظيفة تعيينه على صعوبات الحياة.

ففي عالم المحسوبية والبحث عن المصالح الخاصة يجد هؤلاء المميزين أنفسهم منبوذين من أصحاب السلطة، وبما أن الرعب من البطالة يسيطر على الغالبية من أبناء الشعب سنجد أن الموظفين سيسيرون في ركاب الفاسدين بنبذ الراشدين، وهنا سنجد أصحاب الفكر الراشد يجلسون طوال وقتهم في المقاهي، يدخنون الارجيلة ثلاث مرات يوميا حتى يصابوا بالسرطان، ولن يجدوا مستشفيات تُعالجهم فيموتوا في بيوتهم قهراً وكمداً ، أو يجدوا طريقاً مختصراً منذ البداية ويموتوا بالجلطة القلبية أو الدماغية حين يشاهدوا الوطن رهينٌ بأيد أشخاص غير مؤهلين تسببوا وآبائهم في طرد المبدعين الصالحين الراشدين، ليصبح الوطن في خطر بفضل الجهلاء الذين يورثون الأجهل.

أفقت من حلمي وأنا أهذي من كابوس أرق ليلي وأشغل يومي، فنحن لم نعتاد على إنتقاء واختيار الأفضل، وتساءلت في ذاتي أي لجنة ستقابل المتقدمين وما هي أحجام الواسطات التي ستحاول التأثير على قرار اللجنة، استعدت وعيي كاملاً فهتفت لذاتي حتى لا يسمعني أحد “الحمد لله على نعمة القليل من الفساد”، كون النتائج ستفرز رئيس طبق الأصل عن الذين سبقوه ولن يختلف إلا بالشكل والوزن وماركات الملابس، فليس لدينا سياسة حزبية واضحة تفرز حكومات ولا نقابات مستقلة تحدد بوصلة المسيرة ولا منظمات مجتمع مدني فاعلة إلا بتوزيع الأغذية على الفقراء واللاجئين، وللأسف لم نجد منها من يوزع المعرفة وحرية الفكر والرأي، لذا وفي ظل البيئة السياسية المرضية المُنهكة وجدت نفسي تتحدث مع فكري وتقول له:” الحمد لله لأننا لم ننحدر صوب الأسفل والحمد لله أن رئيس الوزراء ليس من خيارات الشعب، لأننا كنا سنذهب صوب فساد أكبر وأعظم، كون خيارات الشعب محفوفة بالمخاطر وتقودنا صوب الكارثة كما عهدناه حين إختار مجلس النواب الذي يُجيد البصم على ما يُلحق الضرر بالوطن والمواطن، وهنا تذكرت المثل الشعبي” خليك على منحوسك ليجيك أنحس”، لذا لا نريد إعلان في صحيفة للتقدم لمنصب رئيس وزراء أو وزير ولا حتى مسؤول كبير، وخلينا على ذات النهج كون الأحزاب تتصارع على الفُتات والنقابات بلا توجهات، ليكون الحل بالسبات والاستماع لكلمات الشاعر الفيلسوف معروف الرصافي بحرفها لا بمغزاها وجرحها وهو يقول:

يا قـوم لا تتكلَّـموا إن الكــلام محـرَّمُ

ناموا ولا تستيقظـوا ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ

وتأخَّروا عن كلِّ مـا يَقضي بـأن تتقدَّموا

ودَعُـوا التفهُّم جانبـاً فالخير ألاَّ تَفهـمـو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى