هشاشة عالم قوي يتغير بالاحتباس الحراري وكورونا والهجرة
بقلم: رفيق خوري

النشرة الدولية –

العالم كان ولا يزال أسير الحسابات الاستراتيجية والصراعات الجيوسياسية بين الأمم والشعوب عبر طموحات قادتها. من أيام الغزوات القديمة على طريقة هولاكو وتيمورلنك والإمبراطوريات الحديثة الأوروبية إلى أيام التنافس على الأدوار بين الكبار على قمة العالم.

ومن التسلح بالسيوف والرماح والمنجنيق إلى التسلح بالدبابات والطائرات والسفن والصواريخ والمسيّرات والقنابل النووية. من حروب الاستيلاء على الأرض إلى حروب الأنهار والبحار والفضاء، حيث أصبح “الأمن السيبراني” مركز اهتمام كبير بعد اختراق البرامج الإلكترونية، إلى حد أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قرر إنشاء مكتب جديد في الخارجية للفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية.

ومن الحروب الدينية إلى الحروب الاقتصادية والأيديولوجية. ولا شيء يمكن أن يوقف هذه الاهتمامات. فكلما انتهت حرب، زاد سباق التسلح استعداداً لحرب جديدة. حتى حين صارت الحروب بين الكبار مستبعدة منذ الحرب العالمية الثانية بسبب الردع النووي، فإن اتفاقات الحد من التسلح لم تمنع تكديس أسلحة قادرة على تدمير العالم أكثر من مرة.

لكن اهتمامات أخرى فرضت نفسها على أهل السلطة والقوة. أحدثها جائحة كورونا التي كشفت هشاشة النظام الصحي في دول العالم المتقدم قبل العالم النامي. وأطولها عمراً هموم الاحتباس الحراري والبيئة والفقر والهجرة وقضايا أخرى. ولم يكن ما حدث في “قمة العشرين” في روما و”قمة المناخ” في غلاسكو سوى دفع قادة العالم إلى نسيان اهتمامات القوة والتركيز على اهتمامات الضعف.

قادة قمة العشرين التزموا مساعدة الدول الفقيرة في الحصول على لقاحات ضد “كوفيد-19”. لكن رقم المئة مليار دولار بقي معلقاً في الهواء. وهم أعادوا تأكيد عام 2021 “اتفاق باريس” 2015 الذي التزم فيه الجميع أن تقتصر الزيادة في حرارة الأرض على 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، من دون تعهدات عملية ملموسة. إذ لا رقابة فعلية على التنصل من الالتزامات، خصوصاً من جانب خمس دول تسهم في 80 في المئة من انبعاثات الكربون في العالم، وهي أميركا، والصين، وألمانيا، والهند، والبرازيل.

وفي قمة غلاسكو التي حضرها 120 من القادة وغاب الرئيسان الصيني والروسي شي جينبينغ وفلاديمير بوتين، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن العالم يتجه نحو “كارثة مناخية”. رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تحدث عن “الفرصة الأخيرة” قبل الكارثة ودعا إلى “ثورة صناعية خضراء”. رئيس الوزراء الهندي ناريندارا مودي وعد بأن تصل بلاده إلى “صفر كربون” عام 2070.

والرئيس الأميركي جو بايدن رأى في “الاستجابة لأزمة المناخ فرصة لاقتصادات العالم”. لكن المنظمة الدولية كشفت في تقرير جديد عن أنه إذا لم يحدث عمل سريع فإن الحرارة سترتفع بنسبة 2.7 في المئة. لا بل إن مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا فالتر قالت إنه حتى لو تم تحقيق الالتزامات المقدمة فإن خفض الحرارة سيكون بنسبة الثلث من هدف الـ1.5 في المئة. وفي تقرير آخر، فإن ارتفاع الحرارة درجة واحدة سيدفع 200 مليون إنسان إلى هجرة أراضيهم في أكبر تغيير سكاني.

ذلك أن المؤتمرات الدولية تضع أهدافاً نبيلة من دون ما يؤكد ويراقب تنفيذها. اليوم مثلاً تعهد القادة منع قطع الغابات بعد عشر سنين. واليوم أعيد تذكيرهم بأن 500 مليون إنسان أضيفوا في عام 2020 وحده إلى الملايين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

ومن هنا اقترح راجيف شاه، رئيس مؤسسة روكفلر، المسؤول السابق في الإدارة الأميركية، قيام “ميثاق كوفيد” على غرار “ميثاق الأطلسي”، الذي عقده روزفلت وتشرشل على متن السفينة “أوغوستا” في بداية الحرب العالمية الثانية للبحث في ترتيب العالم بعد الحرب. ميثاق من خمسة بنود أبرزها تخصيص الدول الغنية سنوياً واحداً في المئة من دخلها القومي لمساعدة البلدان الفقيرة، وهو ما يضيف مئة مليار دولار إلى المساعدات الحالية، والتزام تقديم اللقاحات لتطعيم العالم كله ضد كورونا.

ولا أحد يعرف ماذا سيحدث من اليوم إلى الأعوام 2050 و2060 و2070، وهي المواعيد التي التزمتها دول لإنهاء انبعاث الكربون. لكن الكل يدرك أن هموم المناخ و”كوفيد” والبيئة والفقر والهجرة صارت تتقدم على هموم الحسابات الإستراتيجية والصراعات الجيوسياسية. وليس من المعقول أن تبقى القدرة على تدمير العالم أكثر إلحاحاً لدى القادة من القدرة على إنقاذ البشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button