رمزية الأضاحي ومسؤولية المسلمين
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
الأضحية هي إحدى شعائر حج مكة، ومجمع عليها من جميع المذاهب، والأضحية تكون من الإبل، والبقر، والضأن أو الماعز، وبمواصفات محددة وخالية من العيوب، إضافة إلى شروط وأمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
لسنوات جاوزت الألف بكثير كان موسم الحج عيداً لأهل مكة وفقرائها، ولكن مع توالي القرون، وتزايد أعداد الحجاج، أصبح نحر الأضاحي يشكّل مأساة صحية وبيئية خطيرة، وهدراً كبيراً، بسبب عدم القدرة على الاستفادة من لحومها بصورة معقولة، وبالتالي كان جزء كبير منها يدفن أو يحرق لصعوبة نقلها لأماكن ودول أخرى، لما يتطلبه ذلك من استعدادات لوجستية لم تتوافر، خصوصاً في الدول الفقيرة، كالطائرات والشاحنات المبردة وخطوط التوزيع.
كان لا بد من إيجاد حل، خصوصاً بعد وصول أعداد الحجاج إلى الملايين، وما تبع ذلك من ازدياد الحاجة إلى الأضاحي، ومواجهة مشكلة تكدسها بعضها فوق بعض في أيام النحر، لا سيما في المواسم التي يكون فيها الطقس شديد الحرارة، ولذا قررت السلطات السعودية في منتصف الثمانينيات تأسيس «مشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي»، بهدف حسن استخدام ما يتم التضحية به من لحوم من جهة، وتسهيل عملية النحر نيابة عن ملايين الحجاج، بعد أن أصبح ترك الأمر لهم مشكلة شبه مستحيلة من جهة أخرى.
يقوم «مشروع الإفادة من الأضاحي» الذي تأسس قبل 30 سنة تقريباً بإخضاعها للفحص البيطري والتيقن من خلوها من العيوب الشرعية.
كما تقوم المؤسسة باستيراد جزء كبير من الأضاحي، ووضعها في زرائب مناسبة، والطلب من الحجاج شراء «كوبونات الأضحية» من منافذ محددة، بحيث يمكن لكل حاج أداء ما عليه من شعيرة النحر من دون الاضطرار إلى شراء أضحيته وتولي نحرها، بسبب استحالة الأمر على أغلبية الحجاج، وبالذات البسطاء حالاً وتعليماً، كما سمح لكل 30 حاجاً توكيل من ينوب عنهم بشراء الكوبون، ومتابعة عملية النحر إلكترونياً!
وعلى الرغم مما لقيه مشروع الكوبونات من اعتراض في البداية، فإن الفكرة قبلت تالياً بعد صدور فتاوى تجيزها، خصوصاً بعد ترك مجموعات محددة لحالها، بسبب وضعها الخاص، لتشتري أضاحيها وتشرف على ذبحها في مسالخ محددة.
عرفت مؤخراً، من مؤتمر المناخ الأخير الذي عقد في أسكتلندا، أن طريقة حياتنا لها التأثير الأكبر في المناخ، وأنه من الضرورة تقليل استهلاك اللحوم، فزيادة استهلاكها يعني حاجة أكبر إلى الأعلاف، وهذا يتطلب تحويل الغابات، خصوصاً الاستوائية، إلى مراع لتغذية الحيوانات، وتصاحب ذلك زيادة في إنتاج المبيدات الزراعية، كما أن الحاجة إلى المزارع تتطلب أحياناً طرد السكان الأصليين والمزارعين الفقراء من أراضيهم لاستغلالها في زراعة الأعلاف.
نحتاج اليوم إلى قرار شجاع يحسّن من صورتنا في العالم، بعد كل ما لحق بها من أذى.
فكما استطاعت المملكة تغيير نمط الأضحية في موسم الحج، وتنظيمه بطريقة حضارية من خلال الكوبونات، فإنها لا شك تمتلك الشجاعة نفسها للإقدام على اتخاذ قرار بجعل عملية الأضحية رمزية إن كان ذلك جائزاً شرعاً، من خلال قيام أمير الحج، أو من ينيبه، بالتضحية نيابة عن جميع حجاج البيت الحرام، وستنتج عن ذلك فوائد عظيمة لا تحصى، وتكون الدول الإسلامية والمسلمون قد أدوا دورهم الإنساني، وشاركوا العالم أجمع في الحفاظ على كوكب الأرض.