نصائح المجتمع الدوليّ ومفاوضاته
بقلم: طوني فرنسيس
النشرة الدولية –
لم يحظَ لبنان بما حظي به السودان من إهتمام دولي في ازمته المستجدة. رغب العسكر وهو الطرف الأقوى في ميزان القوة الداخلي بالإنفراد بالسلطة ووضع قوى الانتفاضة المدنية الشعبية جانباً، فهب العالم رافضاً ومتدخلاً وناصحاً، وباتت التسوية تحتاج اتصالات مباشرة تجريها الامم المتحدة وينخرط فيها انطوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي.
لم تتوفر تدخلات في هذا المستوى، سريعة وعاجلة، لأزماتٍ أخرى في المنطقة. والقضية الفلسطينية تبقى النموذج الأبرز لقضايا تدار بما تيسر من بيانات وتصريحات. وفي السنوات الأخيرة احتلت قضية اليمن مساراً مماثلاً. والغريب في الامر ان دولتين معنيتين في المسألتين، تمثلان نقيضين في السياسة الأميركية. في الموضوع الفلسطيني اسرائيل هي المعنية، وفي الموضوع اليمني ايران هي العنوان.
سارع بلينكن وقبله جيفري فيلتمان لوضع اليد على الأزمة السودانية. ومع آخرين في الادارة سارعوا الى الإرشاد والتوجيه ووضع الحلول. ولم نشهد مثل هذا التحرك في فلسطين ولا في اليمن. في الأولى تعاطف تام مع اسرائيل وفي الثانية لا ممانعة مكشوفة في تدخل ايراني يخرب اليمن ويزعج جيرانها وفي مقدّمهم السعودية.
يمكن تعميم التقويم لنصل الى لبنان. فمنذ سنوات، وأقله منذ عامين يكتفي الاميركيون وحلفاؤهم بتوجيه النصح والارشاد للبنانيين. يتهمون المسؤولين بالفساد ثم يطلبون اليهم إقرار الإصلاحات. يطالبون باستقلالية القضاء والسير في تحقيقات المرفأ الى النهاية، ويمنعون تحقيقاً دولياً وهم يراقبون سقوط القاضي والقضاء في حفرة الميناء. انهم يلعبون اللعبة نفسها، القديمة في فلسطين والحديثة في اليمن، ولا يبدون حداً ادنى من الحماس في لبنان يماثل ما ابدوه من لهفة لحل مشكلة السودان.
في هذا الوقت تتوسع هيمنة الرأي الواحد ذي الصبغة الايرانية في لبنان، ولم تعد نصائح المجتمع الدولي ذات شأن، لا انها فعلياً بلا قيمة، اللهم الا اذا كان المجتمع المذكور يمهد لمفاوضات الساعة الاخيرة مع ايران لرسم الصيغة الجديدة للبنان الجديد، وهو سيكون بالتأكيد على غير الصورة السابقة.