الإغتيال كمدخل لتكريس هيمنة ميليشيات إيران على “محورها”
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

تخوض الميليشيات المرتبطة بإيران، حيث وجدت، غمار العمل السياسي، مستندة الى الترهيب والإرهاب.

الآليات الديموقراطية لا تتعدّى، بالنسبة لها، إطار “الفرصة”، ولكنّها لا تحتكم إليها، أبداً.

هي تسيطر على بيئتها المباشرة، بالسلاح والعنف والخدمات غير القانونية، كما تفرض نفسها على سائر شرائح المجتمع، بالتهويل والوعيد والتهديد والترهيب.

لا شيء يوقف هذه الميليشيات عند حدّ معيّن، فهي لا تؤمن بمفاهيم مثل الخسارة والنكسة والإنكسار والتراجع، فما يمكن أن تخسره سياسياً تجهد لتربحه عنفياً.

جميع من يتعاطى مع هذه الميليشيات يعرف ذلك، بدءاً بالإيرانيين أنفسهم، فهم كانوا، قبل اللبنانيين والعراقيين واليمنيين والسوريين وغيرهم، “فئران المختبر”.

ولا تخرج محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن هذا الإطار، بل هي في صميمه، لدرجة أنّ ما حصل لم يفاجئ كثيرين ممّن كان بعضهم قد “تنبّأ” به، في وقت سابق.

هذه النوعية من “التنبؤات” لا تتطلّب نعمة استثنائية أو ذكاء خارقاً. كل ما تحتاجه بعض المتابعة والمقارنة:

1- رصد العلاقة التي تربط مسؤولاً سياسياً أو عسكرياً أو أمنياً أو مدنياً مع الميليشيات الإيرانية.

2- التنبّه للأدبيات التي تستعملها هذه الميليشيات تجاه هذه الشخصيات.

3- التوقف عند التهديدات التي تطلقها بحقهم.

4- مقارنة هذا السلوك المعادي بما سبق أن حصل لمن كانوا في الموقع نفسه، سواء في البلد نفسه أو في غيره من الدول، على اعتبار أنّ منبع هذا النهج العنفي واحد.

في المبدأ، قد يحمل الصراع السياسي مصطلحات معادية وأخرى يمكن أن تفسّر على أنّها “سبق تهديد”، من دون أن يعني ذلك أنّ مطلقي هذه المصطلحات يمكن أن يقفوا وراء استهداف الإرهاب للمُطلقة ضدّهم، ولكن لا تكون “براءة” المتكلّم من الفعل، إلّا في حالات خاصة جدّاً، وكلّها، واقعياً، لا تنطبق على وضعية الميليشيات التابعة لإيران.

والحالات التي يمكنها أن تبرئ “المهدِّد” ممّا يتم اقترافه بحق “المُهدَّد” محصورة بالآتي:

أوّلاً، أن لا يكون المهدِّد، صاحب أسبقيات.

ثانياً، أن يكون التهديد نابعاً من الغضب وليس وليد تفكير مسبق تستتبعه “بروباغندا سوداء” هدفها الأبلسة أو ما يُسمّى بالإغتيال المعنوي.

ثالثاً، أن لا يملك المهدِّد القدرات التي تعينه على تنفيذ وعيده.

ولا تتوافر هذه الحالات الثلاث بالميليشيات التابعة لإيران، فهي صاحبة أسبقيات مشهودة ومؤكّدة ومكرّسة، وهي لا تطلق تهديداتها في “لحظة غضب” بل تكون قد أنفقت عليها الكثير من الوقت والتفكير والمال، وهي تملك ما يكفي من قدرات بشرية وتقنية ومالية لتنفيذ الجريمة.

ولا تنفع الدعوات الى انتظار نتائج التحقيقات في زعزعة ثقة الغالبية بأنّ هذه الميليشيات هي التي تقف وراء الجريمة، لأنّ هذه الميليشيات، كما هي عليه حال “حزب الله” في لبنان لا تترك التحقيقيات تأخذ مجراها، بل تتدخّل، في مسارها، متوعّدة القضاة والسلطات والشعب. وهذا ما يحصل، راهناً، في ما يختص بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وما كان قد حصل سابقاً، في ما يتعلّق بالتحقيق في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

إنّ المشكلة التي تعاني منها المجتمعات التي تسرح فيها الميليشيات التابعة لإيران، لا تكمن في حصول جرائم الإغتيال، بل في اعتبار التهديدات التي يتم إطلاقها مجرّد وجهة نظر، على الرغم من أنّ قوانين العقوبات واضحة لهذه الجهة، فمن يطلق التهديد يكون قد اقترف جرماً مكتمل العناصر، من دون أيّ حاجة الى تنفيذ.

المشكلة تكمن في أنّ السلطات المختصّة، بدل أن تُثبت أنّها تقيم دولة قانون فتتحرّك ضد كل من يُطلق تهديداً، بحق أيّ شخص، تسمح لهؤلاء بتنمية ثقة لا متناهية بأنّهم فوق القانون.

ولهذا فإنّ ميليشيات إيران لا تكتفي بسبق التهديد، بل هي بعد وقوع أيّ اغتيال أو محاولة اغتيال، تذهب أبعد من نفي تورّطها لتصل الى حدود السخرية من الضحية نفسها، وفق ما يحصل، حالياً، مع رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي الذي اتّهمه القيادي في “حزب الله” العراقي أبو علي العسكري بأنّه “يحاول أن يلعب دور الضحية”.

وقد اعتادت هذه الميليشيات على اتّهام أعدائها بارتكاب الجرائم بحق شخصيات تكون هي قد وضعتها عل لائحة الإستهداف، وكأنّ الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، وهي التي “نزعت” من رأسها نهج شنّ حروب عسكرية على من يعاديها، تملك مصلحة في أن يعيش هؤلاء الذين تتشارك معهم النظرة الإستراتيجية نفسها، في حالة رعب دائم، قد تدفع بكثير منهم الى “مراعاة خاطر” عدوّها.

لقد ثبت بالوجه القاطع، وفق النموذج اللبناني، أنّ عمليات الإغتيال التي حصدت عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية والإعلامية والفكرية، قد سهّلت ل”حزب الله” تمديد هيمنته على البلاد، بعدما سلّم له كثيرون بما يريد، انطلاقاً من قناعاتهم بأنّهم إذا تصدّوا له لاقوا مصائر رفيق الحريري وبيار الجميل ومحمد شطح وجبران تويني وسمير قصير وفرانسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن، على سبيل المثال وليس الحصر.

في الواقع، إنّ من يخسر، فعلياً، ليس من تنجح عمليات اغتياله، فحسب بل، وقبل أيّ كان، هو الشعب المرتبط بالضحية، فالإغتيالات التي شهدها لبنان، إنّما أدّت الى نسف أركان الدولة وتسبّبت، تباعاً، في إفلاسها، والإساءة الى الدول التي يمكن أن تُساهم في الإنقاذ.

إنّ العراق، في حال مرّت محاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، كما مرّ غيرها، يكون قد عبّد الطريق الذي يوصل إلى جهنّم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى