تغريدة جوهر.. ومطالبات الفلل
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
وجدت نفسي مراراً في الجانب المخالف لآراء ومواقف الأغلبية، وأثبتت الأحداث غالباً صحة توقعاتي.
لا أعرف النائب «حسن جوهر»، ولكن لا أشارك الأغلبية آراءهم فيه. عرفته بطريقة غير مباشرة خلال أزمة الجائحة عندما أرسلت له رسائل عدة، مبيّناً له خطأ بعض الأرقام التي أدلى بها في مقابلات عدة عن وزارة الصحة، وعدم صحة استنتاجاته، لكنه تجاهل ملاحظاتي، وتكررت أخطاؤه أكثر.
وخلال الانتخابات النيابية الأخيرة وقف الكثيرون مع النائب جوهر، واعتبر حينها فلتة الشوط وصاحب الوجه الوطني. خالفتهم في ذلك، من دون شكي في وطنيته، وتبين تالياً صحة نظرتي، فقد راهن على الحصان الخاسر، ودفع ثمن خطأ حساباته، ولكن الناس يموتون مرة. أما السياسي، فيموت مئة مرة، ويعود للحياة!
يعتبر النائب «حسن جوهر» من النواب الجيدين، وصاحب مواقف وطنية، ومن القلة الذين حصلوا على أصوات أبناء طائفته وأصوات غيرها! إلا أنه قام قبل يومين تقريباً ببث التغريدة التالية:
«من حق آبائنا وأمهاتنا المتقاعدين الاستفادة من الأرباح القياسية التي أعلنتها مؤسسة التأمينات بنحو 6.4 مليارات دينار، فقد أفنوا شبابهم في خدمة بلدنا، ويستحقون منا جميعاً كل تقدير».
لا أدري من تحت أي «باط» صاغ النائب هذا الكلام المخالف لأحداث التاريخ والمنطق، ولقانون مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وكان حرياً به وهو المشرّع المخضرم عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء، التي بيّنت تواضع تفكيره.
شخصياً لا أعتقد أن هناك، من بين متقاعدي التأمينات، من «أفنى» عمره في خدمة بلده. فقد عمل الجميع وأخذوا حقوقهم كاملة، وفوقها حبتين، وتمتعوا، كما ذكر الزميل عبداللطيف الدعيج، في مقاله الأخير، بمزايا وظيفية لا حصر لها من إجازات طويلة، وعطل رسمية وغالباً دوام مريح. وبالتالي من رأى حقيقة شظف العيش، النسبي في كويت الستينيات والسبعينيات، التي أعرفها والزميل الدعيج جيداً، قد تقاعد غالباً في سن مبكرة، وقبض مبلغاً مجزياً من وراء بيع جزء من راتبه، وأفنى عمره تالياً في ما يسره.
وحتى لو افترضنا أن هناك قلة قليلة أفنت حياتها «بالفعل» في خدمة وطنها، فهذا ليس مبرراً كافياً للدوس على قوانين المؤسسة وعلى المنطق، وعلى حقوق المنتسبين للمؤسسة، مالكيها الحقيقيين، وتوزيع أرباحها، وهي المثقلة أساساً بمزايا تقاعد غير معقولة في كرمها، فوق عجزها الاكتواري الضخم، على المتقاعدين. وكان حرياً به، وهو المشرّع، المطالبة بدعم استثمارات المؤسسة من خلال إعادة استثمار أرباحها لضمان استمرارية قدراتها في الوفاء بالتزاماتها الضخمة.
ولو سأل النائب الفاضل المنتسبين للمؤسسة، وبينهم أبنائي، عن اقتراحه، لوجد رفضاً واضحاً، فهم يمثلون الشريحة الأكبر، أما المتقاعدون من أمثالي والزميل الدعيج، فقد تسلمنا ما لنا، أما بقية رواتبنا، فهي محفوظة لديها، حتى مماتنا.
كما نتساءل معه عن سبب هذا الإصرار على الاستحواذ على ما لدى المؤسسة من أموال نقدية، والكل تقريباً يعلم ما سيكون مصيرها متى ما دفعت «لمن أفنى عمره في خدمة وطنه»!
إن مطالبة جوهر بفسفسة أموال التأمينات لا تختلف عن المطالبين بفيلا لكل مواطن، من دون النظر إلى تبعات ذلك مستقبلاً، وقدرة الدولة على الوفاء بمثل هذا الالتزام الخرافي في حجمه وتكلفته، دع عنك قدرة المواطن نفسه مستقبلاً على الاحتفاظ بفيلا مع كل تكاليفها، متى ما تغيرت الظروف، وهي حتماً تسير في ذلك الاتجاه، ولكن المطبلين لمثل هذه المطالب الشعبوية لا يهمهم مصير المواطن طالما نتج عنها حصولهم على بضعة أصوات انتخابية، أو بضعة دنانير لقناتهم التلفزيونية السخيفة.