شهر التصعيد الإيراني عشية فيينا
بقلم: طوني فرنسيس

اغتيال في العراق وتعطيل السلطة في لبنان وحقد قديم على العرب تكشفه نتائج بغداد

النشرة الدولية –

يمكن إدراج الانتخابات العراقية الأخيرة كمحطة فاصلة بين زمنين إيرانيين على مستوى المنطقة. فتلك الانتخابات كانت امتحاناً للنفوذ الإيراني في البلد العربي الذي أمسكت به إيران بعد الغزو الأميركي وتمهيده الطريق لها، وكانت في الوقت ذاته استكشافاً للوسائل التي ستلجأ إليها سلطة الملالي لحفظ نفوذها.

لم تقتنع طهران بنتائج الانتخابات بل صُعقت. حلفاؤها وأنصارها مُنيوا بهزيمة ساحقة، وبدلاً من تحويل “التصويت الشيعي” إلى استفتاء على دم قاسم سليماني بهدف إعلاء شعار إنهاء الوجود الأميركي في العراق، جاءت النتائج لتعلن “الموت الثاني” للجنرال المذكور في بغداد نفسها.

كان التصعيد على المحاور هو الرد الإيراني الصريح والأبرز على الخسارة في عاصمة الرشيد. أفلتت طهران أتباعها تهديداً وتظاهراً رفضاً لنتائج الصناديق، وعندما أيقنت أن لا إمكانية لتعديل النتائج، أطلقت طائراتها المسيّرة لاغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي “ذي الميول الأميركية ” كما يصفه الإعلام الإيراني الرسمي، في تتويج لحملة ترهيب شاملة على مستوى المنطقة تتخطى الخطوط الحُمر بالمقاييس كلها.

وحصل، بالتزامن، ما يشبه المشهد العراقي في لبنان. حصل ذلك بعد صدور نتائج انتخابات العراق بساعات، عندما اختار حلفاء إيران تعطيل الحكومة المولودة حديثاً بذريعة عدم الرضا عن قاضٍ يحقق في انفجار مرفأ بيروت، وبعد يومين ارتأوا توجيه رسالة إلى الأميركيين خلال زيارة فيكتوريا نولاند، أرفع مسؤول أميركي يحلّ في بيروت منذ فترة، فنظموا تظاهرات انتهت إلى اعتداءات طائفية وردود فعل هددت باستعادة الحرب الأهلية. وإلى اليوم، ما زالت الأزمة المفتعلة منتصف الشهر الماضي تتفاعل، فيما يمسك أنصار طهران بالحكم والحكومة وينتشر الخوف بين المعنيين، فيعطّلهم عن اتخاذ أي موقف أو تدبير خوفاً من عقاب الميليشيا. وسيزداد هذا الخوف بشكل ملموس بعد ما تعرّض له الكاظمي. فالقضاة والسياسيون سيجدون حياتهم مهددة، والوزراء ورئيس الحكومة وحتى رئيس الجمهورية سيعيشون تحت وطأة محاسبة الميليشيا لهم في أي خطوة يمكن أن يُقدموا عليها، خصوصاً في مسألة استعادة العلاقات الطبيعية مع دول الخليج العربي.

هنا أيضاً يأخذ التصعيد الإيراني مداه بعد “التجربة العراقية”. كان الإيرانيون يتحدثون بإيجابية عن أربع جولات من المفاوضات مع السعودية برعاية الكاظمي أو بمسعى منه. فجأة، وبالتزامن مع تصعيد عسكري في اليمن واعتداءات على السعودية، ينخرط الإعلام الإيراني في حملة جديدة على السعودية. ويقول تعليق للوكالة الإيرانية “مهر نيوز” إن “العرب لا يريدون دولة شيعية في السلطة في العراق لأنهم يشعرون بالهزيمة والإذلال التاريخي”!.

عودة إلى استنفار تاريخ من الحقد القومي في لحظات تعثّر مشاريع الهيمنة، ستقود بشكل طبيعي إلى التشكيك بالمفاوضات مع الرياض، إذ يرى معلقون إيرانيون أن هدف السعودية منها حل مشكلاتها في اليمن وأن السعوديين “كانوا يظنون أن طهران من خلال إدارة القوات اليمنية يمكن أن توصلهم إلى مطامعهم، لذلك دخلوا المفاوضات”.

مسار متناسق من التصعيد الإيراني طوال أكثر من شهر لا يمحوه اضطرار طهران إلى القبول بالعودة إلى مفاوضات فيينا نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وهذا القبول احتاج بدوره إلى “فيلم أميركي” لتبريره في نظر الإيرانيين  وأطراف المحور الإيراني. واقتضى السيناريو إعلاناً إيرانياً عن تصدي سفن الحرس الثوري للأسطول الأميركي في حادثة حصلت قبل أيام. وجاء الإعلان في توقيت القول بعودة إيران إلى فيينا ليسمح لذلك الحرس بالحديث عن انتصارات تحققت على الشيطان الأكبر.

قالت وكالة “فارس نيوز” المقربة من الحرس أن عملية الخليج سمحت بضرب سبعة عصافير بحجر واحد:

1- أجبرت القطع البحرية الأميركية على مغادرة الساحة…

2- زعزعت معنويات الفريق الأميركي المفاوض في فيينا…

3- كرّست التقارب بين الصين وإيران بعد صفقة الغواصات الأميركية لأستراليا…

4- الإجراء العسكري الإيراني سيبعد فرنسا أكثر عن الولايات المتحدة نظراً إلى الشرخ بين البلدين…

5- خطوة الحرس تفضح عنتريات إسرائيل ضد إيران…

6- رفع مستوى الأمان البحري لصادرات إيران…

7- تعزيز معنويات الحوثيين في اليمن…

لن تذهب إيران إلى ڤيينا إلا وسط غبار كثيف تثيره في المنطقة، لأن ما تخشاه في المفاوضات هو الميل الأميركي إلى طرح السياسة الإقليمية لطهران على بساط البحث، فيما إيران ترفض ذلك وتصرّ على سياستها التقسيمية والعدوانية، ولا ترى في المفاوضات سوى سبيل لرفع العقوبات عن نظامها ورموزه.

وقد أثارت إيران غبارها: تصعيد في اليمن وتعطيل الحكم في لبنان على حافة الانفجار ومحاولة قتل لرئيس وزراء العراق، شكك في حصولها أحد رموزها العراقيين قيس الخزعلي واعتبرها انفجاراً منزلياً، فيما كان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني يعتبرها “فتنة جديدة لمركز الفكر الأجنبي”، ويا لها من فتنة فكرية لم تستدعِ استنكاراً إيرانياً صريحاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button