الصّحراء مغربيّة… ونقطة في نهاية السّطر
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

تمرّ هذه الأيّام الذكرى الـ46  لـ”المسيرة الخضراء” التي سمحت للمغرب باستعادة أقاليمه الصحراويّة سلماً. في هذه الذكرى، كان الملك محمّد السادس واضحاً كعادته في ما يخصّ قضيّة الصحراء. وضع النقاط على الحروف بتأكيده أن المغرب “لا يتفاوض على صحرائه”، وأنّ “مغربيّة الصحراء لم تكن يوماً، ولن تكون أبداً مطروحة فوق طاولة المفاوضات”. الصحراء مغربيّة ونقطة في نهاية السطر.

ينطلق محمّد السادس من قاعدة ثابتة وقويّة، بعدما استطاع المغرب إيجاد واقع على الأرض من منطلق قانوني وتاريخي. استطاع المغرب ذلك بعدما أثبت المرّة تلو الأخرى أنّ الصحراء مغربيّة وأن الأقاليم الصحراويّة جزء لا يتجزّأ من التراب المغربي الذي اعتدت عليه فرنسا في الماضي.

اعتدت فرنسا على المملكة المغربيّة، في مناطق أخرى غير الصحراء، عندما اعتقدت أنّ الجزائر ستبقى فرنسيّة، وأن من مصلحتها ضم أكبر مساحة من الأراضي اليها حتّى لو كانت هذه الأراضي مغربيّة تاريخياً. يتطلع المغرب الى المستقبل من دون أن يتجاهل إيجابيات الماضي والبناء عليها. من هذا المنطلق، أكّد الملك محمد السادس مجدداً في خطاب الذكرى الـ46 لاستعادة المغرب صحراءه، تمسك بلاده بالمسار السياسي الأممي و”الخيار السلمي” في هذا الشأن.

كانت الذكرى الـ46 لاستعادة المغرب صحراءه من المستعمر الإسباني مناسبة كي يعرب العاهل المغربي للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ولمبعوثه الشخصي (ستيفان دا ميستورا)، عن دعم المغرب الكامل للجهود التي يقوم بها، من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية، في أسرع وقت ممكن.

شدد على ضرورة التزام المرجعيات التي أكدتها قرارات مجلس الأمن، منذ عام 2007، والتي تم تجسيدها في اللقاءات المنعقدة في جنيف، برعاية الأمم المتحدة. كان مفيداً أن يؤكد العاهل المغربي للجزائر، التي لم يسمّها والتي هي الطرف الآخر في الحرب التي تُشنّ على المغرب، أن بلده “إنما يتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل”. إنّه نزاع مفتعل لا هدف له سوى استنزاف المغرب اقتصادياً منذ 46 عاماً.

أبرز محمد السادس أن “تخليد هذه المناسبة المجيدة، يأتي في سياق مطبوع بالعديد من المكاسب والتحديات”، موضحاً أن “الدينامية الإيجابية التي تعرفها قضيتنا الوطنية، لا يمكن توقيفها”. لم يخفِ أن مغربية الصحراء “حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع”، مضيفاً: “لقد سجلنا خلال الأشهر الأخيرة، بعون الله وتوفيقه، تطورات هادئة وملموسة، في الدفاع عن صحرائنا”.

لم تفت محمد السادس الإشادة بالقوات المسلحة الملكية، التي قامت في 13 تشرين الثاني – نوفمبر 2020، بتأمين حرية تنقل الأشخاص والبضائع، عند معبر الكركرات، بين المغرب وموريتانيا، مشيراً إلى أن “هذا العمل السلمي الحازم، وضع حداً للاستفزازات والاعتداءات، التي سبق للمغرب أن أثار انتباه المجتمع الدولي إلى خطورتها، على أمن المنطقة واستقرارها”.

يستطيع المغرب الاعتزاز بـ”تزايد الدعم الملموس لعدالة القضية الوطنية (قضية الصحراء)”. لذلك أعرب محمّد السادس عن “اعتزازه بالقرار السيادي للولايات المتحدة، التي اعترفت بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه”. فهذا الاعتراف “هو نتيجة طبيعية للدعم المتواصل للإدارات الأميركية السابقة، ودورها البنّاء من أجل تسوية هذه القضية”. لم يعد سراً أن هذا التوجه الأميركي “يعزز تعزيزاً لا رجعة فيه، العملية السياسية، نحو حل نهائي، مبني على مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية”. ليس الموقف الأميركي وحده اللافت في قضيّة الصحراء. شدد الملك محمد السادس على أن افتتاح أكثر من 24 دولة، قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، “يؤكد الدعم الواسع، الذي يحظى به الموقف المغربي، لا سيما في محيطنا العربي والأفريقي. وهو أحسن جواب قانوني ودبلوماسي، على الذين يدّعون أن الاعتراف بمغربية الصحراء، ليس صريحاً أو ملموساً”.

حرص العاهل المغربي على التأكيد أن “من حقنا اليوم، أن ننتظر من شركائنا مواقف أكثر جرأة ووضوحاً، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة”، معتبراً أن هذه المواقف “ستساهم في دعم المسار السياسي، ودعم الجهود المبذولة، من أجل الوصول إلى حل نهائي قابل للتطبيق”.

خلص محمد السادس إلى أن قضية الصحراء هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة “وهو ما يقتضي من الجميع، كل من موقعه، مواصلة التعبئة واليقظة، للدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية، وتعزيز المنجزات التنموية والسياسية، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية”. لم تفته الإشارة الى أصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة: “نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، إن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”. كانت تلك إشارة ضمنية الى قرار البرلمان الأوروبي الأخير بشأن اتفاقي الفلاحة والصيد مع المغرب.

بعد 46 عاماً على “المسيرة الخضراء”، تتعاطى الرباط مع الموضوع من موقع قوّة. لدى محمّد السادس تقدير خاص “للدول والتجمعات التي تربطها بالمغرب اتفاقات وشراكات، والتي تعتبر أقاليمنا الجنوبية، جزءاً لا يتجزأ من التراب الوطني”. ما لم يعد سراً أن للمغرب “شرکاء دوليين صادقين، يستثمرون، إلى جانب القطاع الخاص الوطني، في إطار من الوضوح والشفافية، وبما يعود بالخير على ساكنة المنطقة”. في هذا المجال، مجال التنمية، أبرز محمّد السادس أن “التطورات الإيجابية التي تعرفها قضية الصحراء، تعزز أيضاً مسار التنمية المتواصلة، التي تشهدها الأقاليم الجنوبية”، لافتاً إلى أن “هذه الأقاليم تعرف نهضة تنموية شاملة، من بنيات تحتية، ومشاريع اقتصادية واجتماعية، وبفضل هذه المشاريع، أصبحت الصحراء فضاءً مفتوحاً للتنمية والاستثمار، الوطني والأجنبي”.

لغة الأرقام تتكلّم. الواقع يتكلّم. الأرقام والواقع وراء الموقف القوي للمغرب. الأرقام والواقع لا تكذب، لكنّها، للأسف، وراء الحملة التي يتعرّض لها المغرب، إذ استطاع محمّد السادس تحقيق الاستقرار وخلق مناخ يساعد التنمية في بلده. هل تلك الحملة الفاشلة والتصعيد، المعروف المصدر، الذي يرافقها ضريبة النجاح المغربيّ قيادة وشعباً؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى