الخليج يفتح أبوابه لـ”المواهب التخصصية”… في مقدمتهم السعودية والإمارات

النشرة الدولية –

اتخذت دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية والإمارات خطوات غير مسبوقة في فتح باب التجنيس ومنح الإقامات الدائمة للكفاءات وأصحاب الخبرات، في مسعى لتنمية الاقتصادي والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط.

الخميس، أصدر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أمرا ملكيا بفتح باب تجنيس الكفاءات الشرعية والطبية والعلمية والثقافية والرياضية والتقنية، “بما يسهم في تعزيز عجلة التنمية، ويعود بالنفع على الوطن في المجالات المختلفة”، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية، واس.

وأشارت إلى أن ذلك يأتي تماشيا مع رؤية 2030 “الهادفة إلى تعزيز البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استثمار الكفاءات البشرية واستقطاب المميزين والمبدعين”.

وفي أعقاب هذا القرار، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” قائمة من الأسماء المرشحة للحصول على الجنسية خلال الأيام القادمة، شملت مخرجا مسرحيا وخطاط كسوة الكعبة.

في 30 يناير الماضي، أعلن الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي، تعديلات قانونية تجيز منح الجنسية والجواز الإماراتي للمستثمرين والموهوبين والمتخصصين من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمثقفين وعائلاتهم.

وأكد بن راشد في تغريدة على تويتر أن الهدف من هذه التعديلات استبقاء واستقطاب واستقرار العقول التي تساهم بقوة في مسيرة الإمارات التنموية.

وتعتبر قطر من أوائل الدول الخليجية التي اتجهت إلى تجنيس الكفاءات خاصة في مجال الرياضة، مما ساعدها في إحراز كثير من البطولات الدولية على مستوى الألعاب الفردية والجماعية.

يرى حسين إبيش، كبير الباحثين في معهد الخليج في واشنطن، أنها النتيجة الطبيعية لاستعداد هذه الدول لاقتصاد ما بعد الطاقة، وإيجاد طرق جديدة للتعامل مع الأعداد الكبيرة من الوافدين.

وقال إبيش في تصريحات لموقع “الحرة” إنه سيكون هناك مزيد من هذه القرارات في المستقبل، وستكون هناك أيضا قرارات لتقليص عدد العمال الوافدين، وتوطين فرص العمل أكثر ما هي عليها الآن.

الكاتب والمحلل السياسي السعودي، خليل الخليل، يقول من جهته، إن قرار التجنيس ليس بجديد على السعودية، بل هو موجود من عهد الملك المؤسس، الذي منح الجنسية للعديد من الشخصيات والخبرات أصحاب الكفاءات، مشيرا إلى أن جميع ملوك المملكة منحوا الجنسية لعديد من الأشخاص.

وأوضح الخليل في حديثه مع موقع “الحرة” أن ما صدر خلال الأيام الماضية هو توسيع وتعديل لقوانين منح الجنسية في المملكة، وأرجع ذلك إلى حاجة المملكة لسد احتياجاتها في عدد من الاختصاصات النادرة، ولتكريم بعض الشخصيات من كتاب ومؤرخين ومثقفين خدموا المملكة على مدار سنوات.

وكانت السعودية قد أقرت في مايو من العام 2019 نظام الإقامة المميزة ضمن رؤية المملكة 2030، والذي يمنح المستفيد عددا من المزايا مقابل رسوم تدفع مرة واحدة للحصول على إقامة دائمة، أو سنويا مقابل الحصول على إقامة مؤقتة مع المزايا ذاتها.

ومنذ عام 2018، تمنح الإمارات الإقامة الذهبية، التي تتيح للأجنبي الإقامة في الدولة لخمس أو 10 سنوات دون الحاجة لكفيل إماراتي لفئات معينة تشمل المستثمرين، ورواد الأعمال، وأصحاب المواهب التخصصية.

ومن بين هذه الشروط: امتلاك استثمار في عقار بقيمة مليوني درهم، أو ألا تقل مدخراته المالية عن مليون درهم، أو إثبات دخل لا يقل عن 20000 درهم شهريا.

التحول لاقتصاد ما بعد النفط

استبعد إبيش أن يكون لهذه القرارات تأثير كبير من الناحية السياسية، لكنه توقع أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد، موضحا أن السياسات الجديدة المتعلقة بالهجرة والتجنيس جزء من تحول هذه الدول لاقتصاد ما بعد النفط؛ لأنه “يجب تحويل الناس إلى مواطنين منتجين للثروة وليس إلى رعايا تابعين”.

بدوره، قال المستشار الاقتصادي، إلياس ال بارود، إن هذه “القرارات الموفقة قد انتهجتها الدول العظمى منذ سنوات، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ونجحت في الاستفادة من هذه الخبرات العالمية بعدما منحتهم جنسياتها”.

وأضاف ال بارود في تصريحات لموقع “الحرة” أن “هذا قرار جريء من المملكة لأن ملف التجنيس في السعودية من أصعب الملفات”.

ولفت إلى أن “الشروط التي اعتمدتها الرياض لمنح الجنسية كانت دقيقة جدا، وركزت على الكفاءات في المجالات التي تساعدها على تحقيق الاستدامة الاقتصادية، بالإضافة إلى الشخصيات الثقافية والرياضية، التي يكون لها بصمة في تنمية جميع المجالات في البلاد.

ويصف توفيق رحيم، زميل أول في برنامج الأمن الدولي في مركز أبحاث أميركا الجديدة، ومقره دبي، التعديل القانوني لمنح الجنسية بـ”الهام” لمستقبل الإمارات.

وقال رحيم لشبكة “سي إن.بي.سي” إن “الطريق إلى الحصول على الجنسية للوافدين، على الرغم من محدودية نطاقه وعدم وضوح التفاصيل بشأنه حتى اليوم، هو تطور نحو المستقبل”.

وقال كريم جثا، كبير مسؤولي الاستثمار في لونغدن كابيتال، وهي شركة لإدارة الأصول في الأسواق الناشئة: “كان المغتربون يهدفون لأكبر استفادة ممكنة من هذا البلد ثم الانتقال إلى وطنهم”.

لكن “العقلية الجديدة التي تحاول الحكومة إلهامها هي إذا أعطيت كل ما تستطيع لهذا البلد، يمكنك اعتباره وطنك”، بحسب ما يقول جثا لشبكة “سي.أن.بي.سي”.

وبحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، بلغ العدد الإجمالي لسكان الإمارات في عام 2020، نحو 9.2 مليون نسمة، يمثل الوافدون نحو 90% منهم.

وبلغ عدد السكان في المملكة العربي السعودية نحو 35 مليون نسمة، لكنها لم تحدد عدد الوافدين المقيمين بالدولة، بحسب الهيئة العامة للإحصاء في السعودية.

وبحسب آخر إحصاء سعودي صدر في 2018، بلغ عددهم 12.6 مليون أجنبي، أي بما يعادل نحو 38%.

واستبعد الكاتب خليل الخليل أن يكون لهذا القرار أي تأثير على التركيبة السكانية في المملكة.

وبسبب أن التوجه السعودي جاء بعد أشهر من القرار الإماراتي، ربط بعض المراقبين بينه وبين التنافس التجاري بين الرياض ودبي، خاصة بعد قرار الرياض عزمها التعامل مع الشركات العالمية التي لها فروع في المملكة، وهو ما قد يدفع عديد من الشركات إلى نقل مقراتها في الشرق الأوسط من دبي إلى الرياض.

لكن ال بارود استبعد وجود ربط بين القرارين، وقال إن جميع هذه القرارات أٌقرت في عام 2016، عندما ولدت رؤية المملكة 2030، مضيفا أن استقطاب الكفاءات من كل العالم ومنحهم الجنسية السعودية، أحد أهم أهداف الرؤية، وأشار إلى أنه في هذا الشهر بدأ تنفيذ هذا القرار.

لكن كبير الباحثين في معهد الخليج يرى وجود ربط بين القرارين، وقال إن المنافسة بين الجيران هي التي تدفعهم إلى التطور والتأقلم بسرعة مع الظروف المتغيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى