السّوريون في مأزق الرّعاية الصحيّة… زيارة الطبيب بنصف الراتب!

النشرة الدولية –

النهار العربي – طارق علي –

“خمسة وعشرون ألف ليرة سورية تقاضاها مني طبيب الأمراض العصبية لقاء فحص بدني لمدة عشر دقائق في عيادته في دمشق، ذهبت إليه بشكوى ألم شديد في الرقبة والظهر وخدر في اليد والذراع، قال لي: التشخيص الأولي ديسك (انفتاق قناة لبية)، ولكن لا يمكننا الحسم قبل أن نجري فحوصاً بالرنين المغناطيسي، وحوّلني بموجب ورقة طبية إلى هذا الإجراء الطبي”، تقول ميادة (31 عاماً) المُدرّسة في مدرسة حكومية. ميادة التي ما زالت تعاني آلاماً حتى الآن، تكمل لـ”النهار العربي”: “فوجئت بأنّ الرنين المغناطيسي يكلف بحدود مئتي ألف ليرة وسطياً، واضطررت مكرهةً للدفع والخضوع له، وبالمناسبة فإن قيمته تعادل كامل راتبي لثلاثة أشهر، ثم أخذت التقرير وعدت به إلى الطبيب، الذي بكامل انعدام الإنسانية لم يخجل من أن يتقاضى مني مجدداً بدل المعاينة”.

لم يقتصر الأمر على أجر المعاينة مرتين، مضافة إليه أجور التصوير المغناطيسي، بل كانت المشكلة في تحويل ميادة لإجراء عمل جراحي في الرقبة، وقبل هذه العملية عليها أن تتناول دواءً معيناً لفترة محددة، “الأدوية هي بيوغابالين وإبر فيتامين وبعض المكملات، ولن أشرح عن تكلفتها، والأهم هو تكلفة العملية الباهظة بالنسبة الى أي موظف أو أي سوري بصورة عامة، ولكن أقولها بواقعية، العملية والأدوية أمر الله، ولكن لماذا هذه التسعيرة الباهظة، كيف سيدفع الناس، كيف يتعالجون؟ ما يحصل حرام والله، أجر معاينة واحدة مع ثمن الأدوية هي راتبي لشهر كامل”.

رغم القرارات

رفع كل أطباء سوريا أجور معايناتهم بصورة ذاتية، رغم عدم صدور أي قرار حكومي ناظم، وشملت هذه الأسعار أجور العمليات الجراحية أيضاً، لتبدأ المعاينات في العموم بنحو عشرة آلاف ليرة سورية، وتصل الى حدّ أربعين ألف ليرة عند بعض الأطباء في العاصمة دمشق. أما أجور المعاينات في محافظات أخرى فتكون أقلّ، كحمص مثلاً، التي تبدأ أجور معاينات أطبائها بخمسة آلاف وصعوداً إلى سقف يحدده كل طبيب من دون حسيب أو رقيب.

لا يحتاج البحث في الأمر الطبي الكثير، فأكثر ما يحتاجه الإنسان هو الطب، وهو ما يمكن سماعه في معظم المجالس ومن كل الناس، “النهار العربي” استمزج آراء كثر، وخلص إلى نتيجة مفادها أنّ التسعيرة الطبية تتفوق على الدخل الشهري لكل الموظفين، وأنّ المرض، مهما كان، صار يحتاج إلى رصد موازنة خاصة له، بدءاً بالزكام الموسمي، وصولاً إلى مختلف الأمراض. فالمعاينات ترتفع وتنخفض تبعاً لاسم الطبيب وشهرته وتخصصه، ومهما بلغ انخفاضها، فهي بلا شك، تشكل عبئاً كبيراً على دخل المواطن.

“حجزت لإجراء قسطرة قلبية في أحد المستشفيات الحكومية، فتم تحديد دور لي بعد شهرين، صحيح أنّ التكلفة ستكون قليلة نسبياً، قالوا لي حينها ستكون بحدود سبعين ألف ليرة، ولكن لا يمكن المقامرة بالصحة والانتظار. لذا، اضطررت لأن أجريها في مستشفى خاص على نفقتي بمبلغ تخطى خمسمئة ألف ليرة سورية، وقبل ذلك وبعده وخلاله، معاينات وأدوية، رتبت عليّ مصاريف لم تكن بالحسبان”.

تقول ربة المنزل سلمى (52 عاماً) لـ”النهار العربي”: “دفعت عشرين ألف ليرة سورية معاينة للطبيب الذي حولني لأجري عملية كلفتني أربعة ملايين، صحيح أنني دفعت الكثير لقاء صحتي، ولكن لوهلة تشعر أنك تتعامل مع تجار لا أطباء”، وليس حال أحمد أفضل بعدما باع سيارته الصغيرة (غولف 76) في رحلة علاجه من السرطان، “كانت الحيلة والفتيلة”.

عشرون ضعفاً

ارتفعت أسعار المعاينات الطبية بحدود عشرين ضعفاً خلال السنوات الماضية، يسوق الأطباء الكثير من المبررات لارتفاع أجورهم، ملهم طبيب في دمشق يقول لـ”النهار العربي”: “الطبيب إنسان أولاً، ومواطن ثانياً، ويقع عليه ما يقع على عاتق أي شخص من المسؤوليات والواجبات والمصاريف والدفوعات التي صارت لا تحتمل، ونحن كشريحة، كما شرائح كل المجتمع، طالنا الغلاء، ورفعنا أسعارنا، ولكن لا أدري لماذا كل هذا الهجوم والتسليط علينا؟”.

يستطرد الطبيب في شرح موقفه: “المشكلة أنّ قيمة ليرتنا تراجعت عشرات الأضعاف أمام العملات الأجنبية، في ظل أجور حكومية لم تطلها زيادات تذكر، نحن تعبنا على أنفسنا سنوات طويلة حتى نفتح عيادات أو نصنع اسماً، لا يمكننا ألّا نتقاضى أجوراً نراها منصفة”. “النهار العربي” وماذا عن”الرحمانية الطبية”؟ أجاب: “نحن لسنا جزارين، ولكن هذه مهنتنا، وحالنا حال أي سوري، الجوع يفترس الجميع”.

مطالب متكرّرة

ذكر أطباء  لـ”النهار العربي” أنهم يطالبون منذ سنوات برفع تسعيرتهم رسمياً، عبر التقدم بعشرات الطلبات والمقترحات لمواكبة الحالة المالية الخاصة في بلدهم، في ظل تزايد الضرائب على الأطباء، الذين ما زالت الوزارة تحدد أجور معايناتهم بأرقام يعتبرونها رمزية، فيما تعمل نقابة الأطباء على رفع أجور الأطباء الصادرة عام 2004 والمعمول بها من حينها، لترمي الكرة في ملعب الوزير الجديد، على حد وصفها، بعدما رفض وزير الصحة السابق مراراً تعديل أجور الأطباء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button