شهادة نادرة على الأزمة اللبنانية.. من موقع اختصاص
بقلم: مصطفى أبو لبدة
النشرة الدولية –
قليلاً ما يحظى بلدٌ بِمثلِ الذي حصل عليه لبنان قبل أيام ، إذ تسلّم تشخيصاً وثيقاً لعلّته المُزمنة، تطوّعَ به صاحبُ اختصاصٍ أُممي، موصوف بأنه غير ذي هوى شخصيّ أو مصلحة سياسية.
حالةٌ شرق أوسطية تكاد تكون استثنائية، لكنها في نهاية اليوم اندرجت في مشهد إقليمي سائل.
صاحبُ الاختصاص الذي تطوّع لتشخيص الحالة اللبنانية المستعصية، هو البلجيكي اوليفيه دي شوتو، مقرر الأمم المتحدة الخاص، المعني بالفقر المدقع، والذي يعمل في نطاق مجلس حقوق الانسان.
مناطُ به إجرائياً، تقصي الحقائق والرصد المستقل عن أي حكومة أو منظمة.
أمضى في لبنان 12 يوماً التقى خلالها بكلّ من يعتقد أنه ذو صلة بأزمة وطنية توصفُ بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ 150 عاماً.
وبموجب الاختصاص ولضمان الموثوقية، فإن هذه اللقاءات تشمل المتضررين ،وأيضا أصحاب المصلحة في الأزمات قيد الرصد والدراسة، ابتداء من المؤسسات الرسمية والموظفين العموميين، مرورا بأعضاء البرلمان والهيئات القضائية والبنك المركزي ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين.
قبل مغادرته بيروت، عمّم دي شوتر، بعضا مما خرج به من قناعات معززّة بالبيانات، وبالتوصيات التي سيرفعها للأمم المتحدة في الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
وهو وإنْ كانت مثل هذه التوصيات مآلها نفس الأرشيف المعروف في الأمم المتحدة، إلا انّ تجميع ما قاله دي شوتر، في أكثر من مقام قبل مغادرته، يُنتج صورة تتشكّل ألوانها من خليط الصدمة والفجيعة التي تجاور اليأس. وفي ذلك قصّة.
قُوّة التحذير في الشواهد والارتدادات المنظورة والمحتملة للمسألة اللبنانية، كما خرج بها المبعوث الأممي، تتصل حتماً بالبنية الإقليمية الوسيعة والحاشدة بالمتشابكات العابرة للحدود، فتقرع أجراس إنذار واجبة السماع.
وصفَ لبنان بأنه بلدُ الخيال والنزوات إذ يعيش الآن مأزوماً. كان ذات يوم منارة تسترشد بها المنطقة.
شخّص درجة الاعتلال في لبنان بأنه دولة ربما لم تصل درجة الانهيار، لكنها وصلت نقطة الشفير.
قال عن حكومات لبنان أنها تخذل شعبها، تضيع أوقاتاً ثمينة في التهرب من المسألة، وتشيع القلق العميق من كونها لا تأخذ محنة الناس عل محمل الجد. وأعطى على ذلك أمثلة عديدة تجنّب فيها الإشارة إلى ما يوصف بنعوت التآمر التي يجري إسباغها ،مثلا، على المعالجات الراهنة لانفجار ميناء بيروت ومتاهة التحقيق القضائي.
لكنه كرر أكثر من مرة أن الحكومة الحالية هي بالتأكيد حكومة ”الفرصة الأخيرة“.
وهو الذي يمتلك في سجله المهني تاريخاً من الاحتراف في رصد وتحليل أزمات مماثلة للحالة اللبنانية، تتوزع ما بين أمريكا اللاتينية ووسط آسيا ودول الساحل الغربي لأفريقيا، فقد وصف دي شوتر الحالة اللبنانية بأنها ”كارثة من صُنع الإنسان، استغرق صُنعها وقتاً طويلاً“.
شخّصها بأنها ”أزمة مُصنّعة“، والمذهل فيها هو التقصير في المسؤولية على أعلى مستويات القيادة السياسية، واصفاً العلاقة بين الطبقة السياسية والقطاع المصرفي على سبيل المثال، بأنها مقلقة للغاية.
قال إنه التقى مسؤولين مخلصين على مستوى صغار الموظفين، لكنه صُدم بانفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون على الأرض. وتوسّع في الشواهد الفاجعة التي قال إنها تنذر بفقر سيتوارثه الناس جيلاً بعد جيل.
خلص دي شوتر، إلى أن صبر مجتمع المانحين في العالم بدأ ينفد مع الحكومة اللبنانية. و ما لم تقدم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (التي تعمل الآن بتوصيف حكومة تصريف أعمال) خطط إصلاح تحول دون المزيد من المآزق السياسية، فإن المجتمع الدولي لن يأخذ الحديث اللبناني عن الإصلاحات، مأخذ الجدّ.
كانت رسالة نادرة في أدبيات الخطاب السياسي بقسوتها، لكن موقع الاختصاص.
وكان لافتاً أن إعلام الأحزاب والتشكيلات المسلّحة والقوى السياسية التي أفاض شوتر في اتهامها بالمسؤولية عن توصيل لبنان إلى حافة الهاوية، احتفتْ إعلامياً بما قاله المبعوث الأممي ووصف فيه السياسيين الذين تآلفوا على تصنيع الأزمة وإدامتها.
السوشيال ميديا والنشطاء من الموجوعين اللبنانيين، زادوا في حفاوتهم بالذي قاله دي شوتر، بأن أضافوا له رشقات يابسة من تشتيم السياسيين بمفردات جارحة، من النوع ذاته الذي طالما عاند الرقابة الذاتية للقنوات الفضائية المحلية، وفلَتَ منها في تغطياتها الحيّة لتظاهرات الغضب خلال العامين الماضيين.
“إرم نيوز”