لا تنخدعوا بادعاءات “كوب 26” لأن المطلوب وقف الانبعاثات وليس تصفيرها
بقلم: كارولين لوكاس
خفضها بعمق ضروري لتفادي الكارثة وعلى الدول والشركات الكبرى تجنب نهج "احرقوا الآن وادفعوا في المستقبل"
النشرة الدولية –
حدث الكثير من تهنئة الذات في قمة “كوب 26” للمناخ، فيما التزم مزيد من الدول تصفير الانبعاثات. وراج ادعاء بأن أكثر من 80 في المئة من الاقتصاد العالمي ملتزم الآن بهدف تصفير صافي انبعاثاته على المستوى الوطني.
استدراكاً، تتعلق كلمة “صافي” بإحداث عملية تجميل مُزرية وثقيلة. وفي أفضل تفسير لها، يظهر وجود اعتماد كبير عليها. وفي أسوأ معنى، فإنها مجرد خدعة حسابية تعطي للناس انطباعاً بأن عملاً يجري إنجازه في ملف المناخ فيما الحقيقة أن لا تغيير يطرأ على المهمات اليومية لتلك الدول، مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على الناس وكوكب الأرض.
بداية، فإن غالبية الالتزامات بتصفير صافي الانبعاثات مؤجلة حتى منتصف القرن أو ما بعد ذلك، بغض النظر عن تحقيق من طريق عمل حكومي أو الشركات الكبرى. ويعتبر ذلك الموعد استجابة متأخرة جداً في التعاطي مع حال الطوارئ التي تجسدها مشكلة المناخ.
واستطراداً، حتى الالتزامات التي يُفترض أنها أكثر طموحاً ضمن ما أُعلِن عنه في “قمة غلاسكو”، لا تقربنا حتى من تحقيق أهداف “اتفاق باريس للمناخ” التي تسعى للحد من الاحترار العالمي عند نسبة 1.5 درجة مئوية. كذلك تشير الدراسة التي نشرها مرصد العمل البيئي، “كلايمت أكشن تراكر” Climate Action Tracker (حرفياً، متتبع العمل بشأن المناخ)، تشير إلى أننا نتجه حاضراً نحو مستوى كارثي في معدل زيادة حرارة كوكب الأرض، سيصل إلى 2.4 درجات مئوية مع نهاية هذا القرن.
نحتاج إلى خفض عاجل وعميق في مستوى الانبعاثات في هذا العقد، وليس مجرد انتهاج مبدأ “أحرقوا الآن، وادفعوا في المستقبل”.
في سياق متصل، ثمة خطر آخر يتأتى مما ينطوي عليه التعهد بتحقيق تصفير صافي الانبعاثات. إذ يتوجب أن يكون تركيز الدول والشركات الكبرى على خفض الانبعاثات خلال هذا العقد من الزمن، بدلاً من تخطيطهم مواصلة حرق الوقود الأحفوري في عقود مقبلة، مع الإدعاء بأنهم يتخذون إجراءات مناخية، عبر سلسلة من الخدع، غالباً ما تعتمد على ابتكارات تكنولوجية غير مجربة كمشاريع إزالة الكربون من الهواء (بمعنى التقاطه وتخزينه أو تحويله مواد صلبة).
وما هو أسوأ، أن كثيراً من الشركات تلجأ إلى الخيار الأسهل عبر زرع أشجار للتعويض عما تصدره من انبعاثات، أو أنها تطلق خططاً في إعادة التحريج أو حتى مجرد التشجير، فيما يتمثّل المطلوب بدلاً من كل ذلك في ضرورة اعتماد سياسات تغييرية تبعدها من الاعتماد على الوقود الأحفوري بشكل كامل. ولن تؤمن زراعة الأشجار وحدها التغيير الجذري المطلوب الذي نحتاجه بشكل عاجل لمنع الانهيار البيئي.
لا أحد ينكر أننا نحتاج إلى حماية الأشجار وزراعة مزيد منها. لكن الزراعة المكثفة للأشجار كشكل من أشكال التعويض البيئي عن الانبعاثات، يؤدي إلى طرد السكان الأصليين القاطنين في جنوب الكرة الأرضية من أراضي أجدادهم إفساحاً في المجال أمام تشجيرها بما يتيح لكبرى الشركات في القسم الشمالي من الأرض، الادعاء بأنها حققت تصفيراً صافياً للانبعاثات.
وعلينا أن نكشف عن حقيقة تلك التصرفات التي تعتبر بمثابة استعمار بيئي. إذ يواجه الذين يعانون حاضراً أكثر من غيرهم نتيجة أسوأ تداعيات الأزمة المناخية، خطر دفع أكلاف مضاعفة في مواجهتها على الرغم من أنهم في الأصل ألحقوا أقل الضرر بالبيئة. وفي غياب تحقيق العدالة المناخية، فإن ذلك من شأنه مضاعفة حجم الأزمة.
وإضافة إلى ذلك، لا بد من الاعتراف بأن ذلك ليس حلاً عملياً بمعنى أن مساحات الأراضي التي تتطلبها عملية زراعة الأشجار للتعويض عن الانبعاثات، كبيرة بشكل لا يمكن حتى تخيلها.
لنضرب مثلاً واحداً. تفيد شركة “شل” العملاقة في صناعة النفط إنها تخطط لتحقيق هدف تصفير صافي الانبعاثات مع حلول 2050 عبر إلغاء 120 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون من خلال زراعة غابات. بالاستناد إلى ما تقوله منظمة “أكشن أيد” ActionAid، ستحتاج شركة “شل” إلى ما لا يقل عن 12 مليون هكتار من الأراضي كي تنفّذ ذلك مع حلول 2030، ويساوي ذلك ثلاثة أضعاف مساحة هولندا. في المقابل، تخطط شركة “شل” لمواصلة الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز ما يعني مواصلة ضخ الكربون في الغلاف الجوي.
وتذكيراً، تمثّل “شل” شركة واحدة من أصل ست شركات نفط ضخمة عالمياً. وببساطة، ليس هناك من أراض صالحة للزراعة وكافية للتعويض عن حجم الانبعاثات تلك عن طريق زراعة الأشجار فيما نحتاج في الوقت نفسه إلى تلك الأراضي بهدف إنبات الغذاء والحفاظ على التنوع البيولوجي.
إذاً، إنها عملية تضليل واسعة، وغطاء يسمح للشركات الكبرى بمواصلة إدارة تجارتها كالمعتاد، أي تلويث البيئة مع استمرارها في الإدعاء بأنها تتخذ خطوات عملية حيال أزمة المناخ.
بالتالي، لا حاجة إلى عمليات حسابية سحرية. فبدلاً، من الاعتماد على ابتكارات تكنولوجية غير مجربة كمشاريع إزالة الكربون أو زراعة الأشجار، علينا قطع الانبعاثات وتصفيرها بشكل حقيقي، وليس الاعتماد على تصفير صافي الانبعاثات. كذلك لا بد للدول والشركات الكبرى التي تسببت في غالبية الضرر المناخي، من تحمل المسؤولية، وأن تكون أكثر طموحاً في مسعاها لخفض الانبعاثات وتقديم الدعم للمجتمعات في جنوب الكرة الأرضية، التي تعاني من أسوأ تداعيات أزمة المناخ.
* كارولين لوكاس هي نائبة تمثل “حزب الخضر” عن دائرة “برايتون بافيليون”