درعا السورية تعود إلى “نقطة الصفر” وداعش على الخط
النشرة الدولية –
باتت أخبار “الاغتيالات” واقعا يوميا تعيشه محافظة درعا جنوبي سوريا، إذ رغم دخولها في عمليات “تسوية” أجراها النظام السوري وحليفته روسيا لم يتغير مشهدها كثيرا و”كأن شيئا لم يكن”، بحسب ما يقول ناشطون محليون.
ومنذ بداية أكتوبر الماضي وحتى الأربعاء، شهدت المحافظة 58 عملية ومحاولة اغتيال، بحسب إحصائية حصل عليها موقع “الحرة” من “مكتب توثيق الشهداء في درعا”، وهو جهة حقوقية يديرها ناشطون منذ مطلع عام 2012، وتختص بتطورات الجنوب السوري.
وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 41 شخصا، بينهم 19 كانوا سابقا ضمن التشكيلات العسكرية المعارضة، وانضموا مؤخرا لقوات النظام السوري، إلى جانب 15 مدنيا، وآخرين من قوات “الجيش السوري”.
وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الجهة الرئيسية التي تقف وراء عمليات القتل والتي لا تقتصر على منطقة بعينها دون الأخرى، بل تشمل كامل مناطق درعا، من ريفها الشرقي وصولا إلى ريفها الغربي والجنوبي.
وعلى الرغم من أن الحوادث ليست بجديدة على مشهد الجنوب السوري، إلا أن تصاعدها في الوقت الحالي يطرح عدة تساؤلات، خاصة أنها تأتي بعد أسابيع من إعلان النظام السوري الانتهاء من عمليات “التسوية”، وحديثه عن حالة من الاستقرار دخلت بها المنطقة.
وتضمنت “التسوية” التي جاءت بموجب اتفاق رعته موسكو، في سبتمبر الماضي، سحب الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من مناطق محافظة درعا، وبموازاة ذلك كان هناك دور للأفرع الأمنية من خلال “تسوية أوضاع المطلوبين”، وآخرين ممن رفضوا أداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية.
“إلى النقطة صفر”
بحسب الناشط الحقوقي السوري، عمر الحريري فإن ظاهرة الاغتيالات في درعا تأتي في إطار وتيرة مستمرة منذ عام 2018، وبينما انخفضت حدتها لفترة من الزمن تتصاعد الآن، ما يعيد المشهد إلى “النقطة صفر” التي كانت عليه المحافظة قبل الدخول في عملية “التسوية” الأخيرة.
ويقول الحريري لموقع “الحرة”: “معظم الجهات التي تقف وراء الاغتيالات غير معروفة. في الريف الشرقي هناك خلاف قديم بين تشكيلات النظام العسكرية، أما في الريف الغربي فتوجد أصابع لخلايا تنظيم داعش”.
وفي تسجيل مصور نادر كانت وكالة “أعماق” الناطقة باسم تنظيم “داعش” قد أعلنت قبل أيام تبنيها تفجير سيارة تتبع لقوات النظام السوري في مدينة الصنمين كبرى مدن درعا.
وأظهر التسجيل الذي تداوله صحفيون وباحثون سوريون وأجانب تفاصيل تلك العملية، والتي تم تنفيذها على أوتوستراد دولي.
ويوضح الحريري: “الفوضى الأمنية كبيرة جدا في المحافظة. درعا تعود إلى نقطة ما قبل التسوية التي لم تترجم على أرض الواقع، بل كانت مرتبطة بأجندات خارجية فقط”.
وقد يكون تنظيم داعش أحد الأطراف التي تقف وراء الاغتيالات، وهو الأمر الذي تشير إليه تفاصيل الأشخاص المستهدفين، والذين يتوزعون على المدنيين وعناصر قوات النظام السوري وآخرين ممن كانوا ضمن تشكيلات المعارضة.
والأسبوع الماضي شهدت مدينة الصنمين “ليلة دامية”، حيث أقدم مسلحون مجهولون عددهم نحو 10 أشخاص على إلقاء عدة قنابل على منزل المواطن باسيل الفلاح، ما أسفر عن مقتله على الفور، ووفاة طفلته حلا البالغة من العمر 13 عاما.
وبعد ساعات من هذه الحادثة أقدم مسلحون مجهولون أيضا على اغتيال أمين فرقة حزب البعث في المدينة محمد أبو حوية، خلال خروجه من مشفى الصنمين، التي كان يزورها بقصد الاطمئنان على المصابين جراء الاستهداف بالقنابل.
“أمر طبيعي”
وغالبا ما تتنوع الاغتيالات بين إطلاق الرصاص المباشر والاستهدافات بالعبوات الناسفة والألغام، بالإضافة إلى اغتيالات تأتي بعد عمليات خطف لعدة أيام.
وكان ملاحظا في الأسابيع الماضية غياب أي تعليق من جانب النظام السوري بشأن الفوضى الأمنية التي تعيشها محافظة درعا، وهي سياسة كانت أيضا قد انسحبت على الفترة التي سبقت التسوية الأخيرة والتي أجريت في عام 2018.
بدوره يقول المتحدث باسم “لجان المصالحة” في سوريا، عمر رحمون إن “بعض الاغتيالات التي تجري هنا وهناك في الجنوب هي أمر طبيعي في منطقة شهدت حروبا طاحنة خلال عشر سنوات”.
ويضيف رحمون المقيم في دمشق لموقع “الحرة”: “الاغتيالات فردية وهي نوع من أنواع آثار نهاية الحرب، وليس هناك أي جهات تدعمها، إنما هي أعمال تتعلق بأن نفوس البعض ممن دخلوا في التسوية لم تهدأ”.
ووفق رحمون، فإن المنطقة مسيطر عليها عسكريا بالكامل من جانب قوات النظام السوري، مشيرا: “مع الوقت ستزول هذه الحوادث”.
من جانبه يرى منير الحريري، وهو ضابط منشق عن “فرع الأمن السياسي” أن الهدف من الاغتيالات هو إبقاء “الفتنة في درعا والمنطقة الجنوبية ككل، لأن التواجد الإيراني مازال في المنطقة”.
ويقول الحريري لموقع “الحرة”: “الاغتيالات تسفر عن بلبلة بين العشائر وبين المطلوبين وتخلق جهات اتهام، والأهالي غير واعين لهذه المرحلة، ويرون أن الأطراف التي تقف وراء ذلك ممن يحسبون على تنظيم داعش”.
وفي جزء منها، يضيف الحريري، أن الفوضى المفروضة تصب في صالح النظام السوري من جهة، والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، والتي يتركز نشاطها منذ سنوات “على الخراب”.
“النظام مستفيد”
وأتاح “اتفاق درعا” الأخير، الذي تم برعاية روسية للنظام السوري، دخول قواته إلى كامل المدن والقرى والبلدات في المحافظة، بعد إجراء عمليات “تسوية أمنية” أو كما تسمى محليا بـ”المصالحة”، ليتم فيما بعد إقدام المسلحين المعارضين على تسليم أسلحتهم، ومن ثم إعادة الانتشار العسكري والأمني، الذي كان غائبا منذ 3 سنوات.