أيتها النسويات؛ لُطفاً… اعتَذِرنَ من كارول!!!
النشرة الدولية
لبنان 24 – ايناس كريمة –
في السنوات الأخيرة الماضية تزايدت موجات الحركة النسوية في لبنان التي واصلت نضالها حول مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية وبرز مؤخراً حضور الخطاب النسوي الذي لعب دوراً كبيراً في مناقشة الإشكاليات الاجتماعية لا سيما تلك المتعلقة برفض المعايير الجندرية التقليدية القائمة على المفاهيم الأبويّة العنيفة والتي نتج عنها على مرّ التاريخ تهميش فاقع وإقصاء للنساء في كافة المجالات، واستطاع هذا الفكر، الذي لاقى رواجاً كبيراً وانتشاراً على نطاق واسع، بخلاف العقود الماضية، تأمين العديد من الحواضن الاجتماعية والاعلامية والدولية وبات مقبولاً لدى فئة كبيرة من اللبنانيين.
وقد أثار مصطلح “النسوية” جدالاً واسعاً في المجتمع اللبناني والذي غالباً ما تظهّر عبر شبكات التواصل وقنوات الاعلام حيث تباينت الآراء حوله بين تأييد ورفض مطلق، وإذ تصدّرت بعض الوجوه “النسوية” التحرّكات الشعبية الأخيرة مع انتفاضة 17 تشرين، انطلقت الحملات المناهضة لهذا الفكر لدى شريحة واسعة من الرجال والنساء الذين اعتبروا هذا الحضور تعدياً سافراً على العادات والتقاليد، الأمر الذي زاد الفكر النسوي تطرّفاً حتى وُصم بالراديكالية التي تمثّل الوجه الاخر للذكورية في لبنان والعالم العربي.
استندت “الحركة النسوية” على الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة بينها وبين الرجل، ثم انطلقت في فضاء اوسع نحو قضايا اجتماعية هامة وعناوين عميقة كمناهضة العنف والتحرّش اللفظي والجسدي والتنمّر والعنصرية ورفض المفاهيم الاجتماعية التقليدية والمغلوطة وغيرها، الا أنه وفي الواقع قد غاب عنها أن التطرّف في الفكر “النسوي” والغلو في الانفعالات من شأنه أن يصدّر صورة مشوّهة مختلفة عن جوهر القضية القائمة بالأصل.
بالأمس، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً على تصريح للفنانة كارول سماحة التي قالت ضمن لقاء مصوّر “انا مش فمينيست وما بحب هالكلمة”، حيث جاءت ردود الفعل من قِبل فئة من اللواتي يطلقن على أنفسهنّ “نسويات” ومدافعات عن حقوق المرأة صادمة، إذ وُصفت سماحة بالمرأة السخيفة المدافعة عن الذكورية، ناهيك عن بعض الهجمات اللاذعة التي تعرّضت لكرامتها وأساءت لشرفها بأسلوب لا يمتّ للنسوية بصلة لا من حيث نوع الشتائم ولا من حيث التجريح “الشخصي” والتنمّر المباشر.
يبدو أن جزءاً كبيراً من “نسويات” العالم العربي سقط في فخّ التسلّط الذكوري وحوّل القضية “النسوية” الى قضية فئوية تعمل على “تكفير” الاخر لمجرّد الاختلاف ولو في بعض الجوانب، أي أنّ هذه الفئة من النساء جاهزة للحكم على المرأة وعزلها عن دائرتها الاجتماعية مع أول اعتراض على احد جوانب طروحاتها وليس بالضرورة أن تكون ذكورياً حتى تتعرض للنبذ والإهانة.
هذا التحول في القضية “الجندرية” بات يعرّضها للاساءة، إذ إن عملية التظهير تتمّ بشكل خاطىء ولا تخدم المفهوم الحقيقي لهذا الفكر، حيث أن النقاش حول الطرح لا يلغيه، وتقبّل الاخر أو رفضه له لا يعطي “النسويات” الحق في التقييم ولا يصحّ معه جلد المعترض! أليست الشتائم نوعاً من أنواع العنف الذي مورس أمس مع كارول سماحة والذي يواجهه المجتمع النسوي في الأساس؟ أليس في التعرّض لشرفها واتهامها بأسوأ الاتهامات نموذجاً ذكورياً فاضحاً؟ النقاش حق مشروع ودليل رقي وانفتاح فمن رسم خارطة “الحقوق النسوية” لم يقل لنا أن رسمه مقدّساً ولا يجوز المساس به، ولم يخبرنا حتى أننا محبرون على تبنّيه! أنا مع حقوق المرأة أولاً وأخيرا، ولذلك بدا السؤال جائزاً بعد “عار” الامس حول ما إذا كان الفكر “النسوي” بات يجسّد الاستعباد بشكل أو بآخر.
لن أناقش موقف كارول سماحة من “النسوية” لأنّ لها حريتها المكفولة في قانون “حقوق الانسان”، ولأنني امرأة حرة أيضاً ومتمسكة الى أبعد الحدود بمساواة المرأة “حقوقياً” مع الرجل، أطالبكنّ اليوم بتغيير النمط “التكفيري” المتّبع ضد كل معارض، وأطالبكنّ باحترام حق الاخر في التعبير عن آرائه في مختلف القضايا، وأطالبكّن برمي السّوط الذي يجلد بقسوة كل من يخالفكّن في المبادىء ويخرج عن مساركنّ سواء كان صحيحاً أو تشوبه العديد من الشوائب، وأطالبكنّ أيضاً بوقف مظاهر الخصومة مع الرجل، لأن هذه الخصومة من شأنها أن تُنقص من جوهر القضية، فالمرأة والرجل مكمّلان لبعضهما ولا يتفوّق احدهما على الآخر… وأطالبكنّ أخيرا بالاعتذار من كارول سماحة ومن كل امرأة انهلتنّ عليها بوابل من الشتائم لأنها لم تصفّق لكنّ! أيتها النسويات؛ لُطفاً.. إعتذرن من كارول لأن هذا التمادي من شأنه أن ينسف القضية!