الحق الدستوري في الرعاية الصحية والمواثيق الدولية
بقلم: د. دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
الفقر والمرض وجهان لعملة واحدة. فقر يتسبب بالمرض ومرض يؤدي الى الفقر. المجتمع مسؤول عن تقديم الرعاية الصحية للأمراض التي ساعد على ظهورها وانتشارها، بمعنى إن الفقر والبطالة والأمية والاستبعاد الاجتماعي والعجز وفقدان الأمن الوظيفي ومشاكل الأمومة والطفولة وتدني النظم الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي ونقص السكن أسباب اجتماعية تؤدي الى اعتلال الصحة، فالمرض وغياب الصحة مرتبطان بأسباب اجتماعية واقتصادية، والجرثومية والعضوية.
بداية ظهر الحق بالرعاية الصحية في المواثيق الدولية، وأصبح الحق بالتمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية من الحقوق الأساسية التي لا غنى عنها، وصار هذا الحق مكملا لغيره من حقوق الانسان التي يجب أن يتمتع بها كل فرد، وعلى دول العالم الالتزام بهذا الحق، ولا يشمل هذا الحق العلاج فقط، إذ اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن الصحة عبارة عن مفهوم شامل ” حالة من الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية كاملة وليس مجرد غياب المرض أو العجز”، وبالتالي فإن الحق في الرعاية الصحية المتضمّن في المواثيق الدولية يشمل عددًا من المبادئ، بينها حصول كل فرد من أفراد المجتمع على قدر متساوٍ من الخدمات الصحية، وتهيئة بيئة عمل صحية وآمنة له، والعيش في ظل بيئة صحية خالية من الأمراض، وتوفير القدر الكافي من شروط الصحة مثل الغذاء الكافي والمسكن ومياه الشرب الجيدة.
بدأ الاعتراف بحق البشر في الرعاية الصحية في المواثيق الدولية ودساتير دول العالم والدول العربية ضمن دستور منظمة الصحة العالمية في عام 1946، ثم الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، ومنظمة العمل الدولية حق العمال في الرعاية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، وإعلان ألما آتا الصحة للجميع 1978. وصرحت دساتير 115 دولة في العالم بحق مواطنيها بالصحة والرعاية الصحية، ومن الملاحظ أن الدساتير التي تم وضعها قبل الحرب العالمية الثانية لم يتضمن معظمها ذكر هذا الحق في نصوصها مثل دستور الولايات المتحدة وبريطانيا، كما يلاحظ تزايد عدد الدول التي تعترف دساتيرها بالحق بالصحة مع التعديلات الحديثة على هذه الدساتير. أمّا بالنسبة للدول العربية، فلم يظهر الحق في الرعاية الصحية في دساتيرها بعد الاستقلال مباشرة، وإنما ظهر في مرحلة تالية على ذلك.
يشكّل الدستور الأردني استثناءً لجميع الدساتير العربية، وهو من الدساتير القليلة في العالم التي تخلو من النص على حق المواطن بالصحة وخدمات الرعاية الصحية، رغم التعديلات المتلاحقة التي لحقت به. منح دستور 1952 للأردنيين الحق في التعليم في المرحلة الأساسية والحق في العمل، ولم يأتِ على ذكر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وأهمل تمامًا حق الأردني في الصحة والرعاية الصحية. لكن الدستور من جهة ثانية ألزم الدولة بحماية العمل بأن تضع له تشريعًا، وهو قانون العمل، يقوم على مبادئ متعددة منها تعويض العمّال في حالة المرض حيث حصل العاملون في كثير من المنشآت الكبيرة على تأمين صحي لهم ولعائلاتهم، والذي كان يفترض أن يتوسع ليشمل كل عمّال الأردن على شكل تأمين صحي وتأمين إعالة أثناء المرض مع إنشاء عرف الدستور الأردني العديد من التعديلات، والتي كانت في 1958، 1960، 1965، 1973، 1974، 1976، 1984، 2011، 2014 و2016. ولم تأتِ كل هذا التعديلات (باستثناء تعديل 2011) بأية إضافة لحقوق الأردنيين الاقتصادية والاجتماعية. ورغم توقيع الأردن على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1972 والتي صادق عليها عام 1975، لكنه لم يعرضها على مجلس الأمة لجعلها واجبة التنفيذ. جاء تعديل الدستور في عام 2011 استجابةً للضغوط الشعبية، وفي أجواء انتفاضات الميادين العربية، حيث شمل هذا التعديل في المادة السادسة الفقرة 5 إضافة واجب الدولة في حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وبناءً عليه جرى شمول الأطفال والمسنين بالتأمين الصحي المدني مجانًا.
حقق تعديل الدستور الأردني لعام 2011 نقلة نوعية في حقوق الأردنيين الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا التعديل لم يرقَ إلى المستوى الذي يتمتع به مواطنو العالم والدول العربية، حيث لم يمنح الجميع الحق بالرعاية الصحية. ويبدو أن الاحتجاجات الجماهيرية في الأردن لم تكن كافية لإقناع النظام بضرورة حصول الأردنيين جميعًا على هذا الحق.