“حكايتي مع الزمان” توليفة فنية بين جيلين تتفوّق فيها ميرفت أمين وأحمد خليل على النجوم الشباب

النشرة الدولية –

استطاع المسلسل المصري “حكايتي مع الزمان” الجمع بين جيلين، حيل من الفنانين المخضرمين وآخر من الشباب، وخلق منافسة ضمنية بينهما ساعدت على ارتفاع نسبة المشاهدة، ما انعكس على العمل الذي انتهى عرضه قبل أيام على محطة “دي.إم.سي” المصرية، بطولة الكبار: ميرفت أمين وأشرف زكي والراحل حديثا أحمد خليل، ومعهم من الشباب: حازم إيهاب وأحمد جمال سعيد وأحمد والي ورحاب عرفة ونوال سمير وشاهيستا سعد ورضوى جودة وهايدي رفعت، وهو تأليف أمين جمال وإخراج أحمد حسن.

قد تكون قصة الزواج والطلاق مستهلكة في الدراما المصرية وجرى تقديمها بصور وأشكال مختلفة، لكن الجديد الذي حمله مسلسل “حكايتي مع الزمان” أنه اعتمد على المقارنة المتعمّدة بين تفكير وتصرفات جيلين في هذه المسألة. ومع أن المقدّمات والدوافع والنتائج في حالتي الزواج والطلاق جاءت في تطوّراتها الدرامية مختلفة بينهما، غير أن الحصيلة واحدة تقريبا، بمعنى أن الخلاف لا ينتهي بالتقادم.

وعزّزت الفنانة الشهيرة ميرفت أمين قدرتها على الاحتفاظ بلياقتها الفنية كاملة ومستمرة، ونجحت في تجسيد دور الأم المغلوبة على أمرها ثم القوية، والتي يمكن أن تضجّ من المشكلات الحياتية وتعترض على تصرفات زوجها بعد فترة طويلة من الاقتران به، وتتحدّاه في تجاوز أزماتها من دون الارتهان لإرادته المادية.

تعمّد المؤلف أمين جمال في هذه القصة تقديم مقارنة في شكل مباراة البطلة فيها الفنانة المخضرمة ميرفت أمين والفنان الراحل حديثا أحمد خليل من ناحية، وأولادهما من ناحية أخرى، بكل ما تحمل من صراع خفيّ حول قضية واحدة تتعلق بقدرة كل شخص على التكيّف مع أوضاعه الأسرية ومدى القبول بحياته، بحلوها ومرّها، فإذا كان الزوج والزوجة ضجرا من حياتهما بعد نحو ربع قرن من الارتباط، فما دافع ضجر الأبناء وهم في بداية حياتهما؟

وتشعّبت الإجابة على هذا السؤال الذي طرح في ثنايا المسلسل، لكن القاسم المشترك بين الخلافات المتنوّعة بين جيلي الكبار والشباب أنها تنبع من القدرة على الاستيعاب والاحتواء والتكيّف، ولا علاقة لها بطول الزمن أو قصره.

ففي الوقت الذي بدت حياة الأب والأم مريحة تماما ولا توجد منغصات انفجر بركان الغضب بينهما بسبب الإهمال، بينما انفجر بين إحدى بناتهما وزوجها بسبب رفضه لطبيعة عملها، ومع أخرى بسبب الخيانة، بينما حافظت الابنة الثالثة على بيتها من خلال التفاهم مع زوجها ومشاركته همومه وعدم التخلي عنه في أول مطب يواجهه.

وتعدّد الأنماط وتفرّعها كادا يدفعان المخرج أحمد حسن إلى التشويش أو فقدان الخيوط الدرامية، لكنه استطاع جمعها دراميا ونجح في أن يفلت من براثن التخبّط، وتمكّن من إعادة تجميع الخيوط كلما بدا هناك انفراط في أحدها، مستفيدا من المواهب التي أكّدها الثنائي ميرفت أمين وأحمد خليل، ومستغلا حالة الحماس وربما الفوران التي ظهرت عليها غالبية النجوم الشباب حيث اجتهدوا ليثبتوا جدارتهم بالفرصة التي أتيحت لهم.

ونجحت الوفرة الحاصلة في الأعمال الدرامية بمصر في منح فرص كبيرة للشباب، ويمكن أن يفرز ذلك مجموعة من المواهب التي تستطيع حمل الراية مستقبلا، خاصة أن الدراما تحوّلت إلى معمل تفريخ للنجوم، وهي التي تقدّمهم إلى السينما. فقد انتهى زمن الانتقال من السينما إلى الدراما نتيجة الرواج الذي تشهده الثانية على حساب الأولى، واختلاف المرحلة. فالتركيز على الدراما والكثافة التي تشهدها في مواسم خارج السباق الرمضاني وفّر لها مساحة جيدة للانتشار، وبالتالي إقبال النجوم عليها، كبارا وشبابا.

الإهمال سبب البلية

قدّمت القماشة الواسعة من الشباب والفتيات المغرمين بالفن لعدد من المخرجين فرصة لاختيار المواهب وفرزها، إذ كانت السينما والمسرح هما الباب الملكي لتقديم هؤلاء، إلى أن تحوّلت الدراما وطغت وأصبحت هي الباب إلى المجد حاليا. ومع عودة بعض شركات الإنتاج للمشاركة في الإنتاج الدرامي والتخلّص من احتكارها من جانب شركة واحدة، زادت الأعمال المعروضة على الفضائيات المصرية.

ويؤدّي التوسّع في المسلسلات، بقطع النظر عن المضامين التي تتطرّق إليها، إلى توسّع موازٍ في التخصّصات التي تخدم عليها، فلم يعد الفنان العنصر الوحيد المتحكم في المعادلة الفنية ولا حتى المخرج أو المؤلف. فالتصوير والديكور والموسيقى التصويرية من العوامل التي تلعب دورا جيدا في رفع العمل أو خفضه، وهو ما افتقر إليه مسلسل “حكايتي مع الزمان”. فالقصة والسيناريو والتفاصيل التي حوتها وتعدّد المواهب كانت بحاجة إلى بلورة أكبر للدور المساعد الذي تقوم به هذه العناصر، والتي لم تعد مكملة للعمل بل هي جزء أساسي فيه وجودتها أو رداءتها مؤثرة.

ومثّلت مشاركة الفنانة ميرفت أمين إضافة حقيقية للمسلسل. وبعيدا عن التشابه بين اسم العمل والأغنية الشهيرة (حكايتي مع الزمان) التي شدت بها الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، فالحبكة الفنية جاءت قوية ومنح وجود أمين منذ آخر أعمالها الدرامية “قيد عائلي” دفعة معنوية لعمل كاد أن يخرج إلى النور من دونها.

وكان من المفترض الانتهاء من المسلسل منذ حوالي شهرين، غير أن وفاة الفنانة دلال عبدالعزيز، وهي صديقة مقربة لميرفت أمين، أجّل التصوير حتى تجاوزت صدمتها النفسية، وربما حسنا فعلت بعودتها كي لا تستسلم لحالة الحزن.

وحصرت أمين أعمالها في الدراما منذ آخر تجاربها السينمائية وكانت منذ أربعة عشر عاما مع فيلم “مرجان أحمد مرجان” بطولة عادل إمام. ورغم السيناريوهات التي تلقتها في الفترة الماضية، إلا أنها عزفت عن قبول أي منها بعد أن وجدت في الدراما ما يرضي غرورها الفني ويجعلها تستطيع إخراج طاقتها التمثيلية. فالأدوار التي تعالجها الدراما أوسع من السينما التي يسيطر عليها الشباب حاليا، ولا تمنح المساحة الكافية للجمع بينهم وبين النجوم الكبار.

وأفلت المسلسل أيضا من المحنة التي مرّ بها الفنان أحمد خليل، فقد داهمه فايروس كورونا بعد انتهاء دوره بأيام قليلة، وأدّى إلى وفاته، وكانت لفتة وفاء من طاقم العمل باستبدال صورة ميرفت أمين في “تتر” النهاية بصورة أحمد خليل في آخر حلقتين.

وكان خليل في هذا العمل كأنه يقدّم دورا من لحم ودم لشدة التصاقه بالشخصية وغزارة الشر والطيبة فيها، بكل ما حملته من قوة وخشونة لفظية ولين وحنان، وهي التناقضات التي أجاد تجسيدها الفنان الراحل في غالبية أعماله ووضعته في مرتبة الكبار.

وتحوّلت فكرة الدمج بين أجيال مختلفة في الأعمال الدرامية إلى وسيلة للاستفادة من خبرة الكبار لدعم المواهب الشابة، وعندما يتمّ المزج بينهما في الفكرة أو القضية التي يدور حولها العمل تضفي جاذبية أكبر، لاسيما عندما يتعامل معها المخرج على أنها جزء أساسي في العمل وليس لخلق منافسة مفتعلة، وهو ما شعر به من تابعو مسلسل “حكايتي مع الزمان” الذي استغل حلقاته العشر في اختزال الكثير من التفاصيل بما يخدمه وتجنب الاستغراق في المدّ والتطويل الذي بدأ يتراجع مؤخرا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى