كيف يتعامل محللو سوق الأسهم مع تضارب المصالح؟
النشرة الدولية –
في سوق الأسهم لا يوجد هناك ما هو أكثر انتشارًا من التوصيات والآراء الاستثمارية المتعلقة بتحليل الأسهم المدرجة، والحديث هنا ليس عن الثرثرة العارضة بين عامة المستثمرين، وإنما المقصود هي الآراء الصادرة عن المحللين المحترفين الذين لا يرفعون أبدًا شعار “لا أعلم” ويوزعون التوصيات والآراء الاستثمارية أيضًا مثلهم مثل العامة، غير أن الفارق هو أنهم يتقاضون رواتبهم من أجل القيام بذلك.
تتمتع آراء المحللين بتأثير كبير على الحركة السعرية قصيرة المدى في السوق، حيث يمكن لتوصية بالبيع أو بتخفيض المركز صادرة عن أحد المحللين أن تهوي بالسهم، كما يمكن أن تخلق توصية بالشراء أو بزيادة المركز زخمًا صعوديًا لذات السهم، وذلك بغض النظر عن حالة أساسياته.
لماذا يحدث هذا؟ ببساطة بسبب وجود أعداد كبيرة من المتداولين الأفراد الذين يهتمون جدًا بتوصيات وآراء المحللين ويستخدمونها كبديل تحليل الأسهم بأنفسهم، والمفارقة هو أن الاعتماد بشكل أعمى على آراء محللي سوق الأسهم مستمر منذ نشأة السوق ويزداد مع الوقت، رغم أن توقعات المحللين في أغلب الأحيان أقل ما توصف به هو أنها خاطئة وغير صحيحة.
في كتابه الصادر في عام 2010 تحت عنوان “الكتاب الصغير في الاستثمار السلوكي” يشير “جيمس مونتيه” إلى أن توقعات المحللين للشكل الذي ستكون عليه أرباح الشركات بعد عامين عادة ما تكون خاطئة في 94% من الحالات، حتى في الآفاق الزمنية الأقل، كالاثني عشرشهراً المقبلة مثلاً، نجد أنهم مخطئون في 45% من الحالات تقريباً.
ولهذا يقول الاقتصادي الأمريكي الشهير “بورتونمالكيل”: “إن باستطاعة قرد معصوب العينين تكوين محفظة استثمارية تحقق أداءً شبيهاً بأداء تلك التي يكونها الخبراء من المحللين”، ولكن بعيدًا عن مدى دقة توقعات المحللين، هناك بعد آخر لا ينتبه إليه أكثر المستثمرين وهو تضارب المصالح الذي يتورط فيه المحللون وخصوصًا أولئك التابعين للبنوك الاستثمارية التي من مصلحتها إرضاء الشركات.
مع “أمازون” أو عليها؟
قبل 24 عامًا، وتحديدًا في عام 1997 كانت شركة التجارة الإلكترونية الأمريكية “أمازون” تحضّر نفسها للاكتتاب العام الأولي، في العادة، تنطوي عملية الطرح الأولي على تعقيدات تنظيمية كبيرة في ظل القيود التي تفرضها الجهات التنظيمية، ولذلك كان يتعين على “أمازون” توظيف بنك استثماري ليقوم على إدارة الاكتتاب من أجل ضمان تنفيذ العملية بسلاسة.
في ذلك الوقت كانت “أمازون” مرغوبة بشكل كبير في وول ستريت بفضل جهود مؤسسها “جيف بيزوس”. وكان المحللون في تقاريرهم يروجون باستمرار للميزانية العمومية القوية للشركة وتوقعات الأرباح المستقبلية الخاصة بها، وكان الأساس شبه الوحيد الذي تقوم عليه تلك التقارير هو حقيقة أن عدد مستدخمي الإنترنت كان آخذًا في الازدياد بمعدلات صاروخية، وهذا طبعًا سيكون في مصلحة أمازون التي يقوم عملها على الإنترنت.
لكن كانت هناك مشكلة واحدة فقط، وهي أن “أمازون” في ذلك الوقت لم تكن تكسب أي أموال، فقد كانت تدفقاتها النقدية الحرة منخفضة بشكل كبير، ومع ذلك تعمد محللو البنوك الاستثمارية تجاهل هذه النقطة رغم أهميتها ومحوريتها في تقرير مستقبل الشركة، وكان السبب الرئيسي وراء هذا السلوك هو أن البنوك الاستثمارية التي كان يعمل لصالحها هؤلاء المحللون كانت تتنافس على رضا الشركة حتى تفوز بإدارة اكتتابها العام.
في النهاية كان عقد إدارة الاكتتاب من نصيب بنك “مورجان ستانلي” وإلى حد كبير يرجع الفضل في فوز البنك بذلك العقد إلى “محللته “ماري ميكر” التي لطالما أشادت في تقاريرها البحثية بـ”أمازون”، لاحقًا أنكرت “ميكر” أن يكون لفوز “مورجان ستانلي” بعقد إدارة اكتتاب “أمازون” أي علاقة بالتقارير الإيجابية التي أصدرتها عن الشركة.
في المقابل، كان مصير المحلل الوحيد في وول ستريت الذي شكك في استراتيجية “أمازون” وجودة أساسياتها أن تمت معاقبته من بنكه الذي يعمل لديه، “ليمان برازرز”، وذلك بعد خسارة العقد لصالح “مورجان ستانلي”.
الكعكة الكبيرة التي يتنافس عليها الجميع
البعض قد يتساءل، وهل تستحق الاكتتابات العامة أن يتم التنافس عليها بهذا الشكل من قبل البنوك الاستثمارية؟ نعم، في الأغلب تستحق، فالاكتتابات العامة الأولية مربحة بشكل كبير لهذه البنوك لأنه في إطارها تكسب المال بطريقتين: الأولى من خلال الرسوم والثانية من خلال أرباح التداول.
الأسهم التي يتم بيعها في البداية للجمهور تأتي مباشرة من مدير الاكتتاب أو البنك الاستثماري، وبطبيعة الحال يحرص البنك على بيع أكبر قدر ممكن من الأسهم لجمهور المستثمرين لأن هذا معناه أرباح أكثر، وبالنظر إلى أن آراء المحللين مهمة للغاية في توجيه وتشكيل قناعات أعداد كبيرة من المستثمرين فمن المنطقي أن تكون آراء المحللين التابعين للبنك إيجابية جدًا تجاه الشركة المكتتب عليها ومستقبلها.
ومع ذلك، هناك إصرار من قبل البنوك الاستثمارية على الادعاء القائل بأن هناك ما يسمى بالجدار الصيني الكبير الذي يفصل بين المحللين والأقسام الاستثمارية المسؤولة عن إدارة الاكتتابات، بما يحفظ للمحللين استقلاليتهم. ولكن بغض النظر عن ادعاءات المحللين أو البنوك، يستطيع أي مستثمر عادي ملاحظة تضارب المصالح الواضح جدًا في هذا السياق.
وما يهم هنا بالمناسبة ليس ما إذا كان المحللون على صواب أو خطأ، بل تكمن المشكلة في تضارب المصالح الذي يشكك في مصداقية أي تحليل.
في حالة “أمازون”، يبدو للجميع “أن توقعات “ميكر” محللة “مورجان ستانلي” أثبتت صحتها على المدى الطويل، بعد أن وصلت الشركة إلى ما هي عليه الآن، ولكن في الحقيقة إن نجاح “أمازون” لا يعزو أبدًا لأي من الأسباب التي ذكرتها “ميكر” في تقاريرها عن الشركة أثناء الاكتتاب العام، “أمازون” عقب إدراجها في البورصة كادت أن تفلس تمامًا في فقاعة الإنترنت التي انفجرت بمطلع الألفية.
خلاصة الكلام، ما يجب أن يدركه المستثمر هو أن آراء المحللين في أغلب الأحيان وخصوصًا في إطار الاكتتابات العامة الأولية أقل قيمة من الورق المطبوعة عليه، ولا ينبغي لمستثمر حريص على ماله أن يأخذها على محمل الجدية، بسبب تضارب المصالح المتأصل في العملية برمتها.
آراء المحللين تجاه “أمازون” ربما لم تؤول إلى نتيجة كارثية في النهاية المطاف، وذلك لأسباب لا علاقة لها بتوقعات المحللين، ولكن في أزمة 2008 كان الوضع مختلفًا، فقبل الأزمة كان المحللون يصنفون الشركات والوكالات العاملة في مجال المشتقات المالية المعقدة على أنها كيانات جديرة بالاستثمار فيها، لا لسبب إلا لأن بنوك وول ستريت لن تتعامل معهم لو كانت لهم آراء سلبية تجاه هذه الشركات والوكالات.
*وول ستريت جورنال