ماذا وراء الانفتاح على دمشق؟
بقلم: تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

الاستخلاص المباشر، الذي يمكن قراءته من الانفتاح العربي على دمشق، قد يسمح بالقول إن هناك اعترافا بأن الصراع في سوريا قد حُسم لصالح النظام في دمشق، وإن الدول العربية التي تبادر حاليا لفتح خطوط اتصالات مع دمشق، تحاول ما يمكن اعتباره استباقا لحصد نتائج ذلك الحسم على المشهد الإقليمي والعربي.

لكن استخلاصا من هذا القبيل يظهر الطرف العربي كما لو أنه يتحرك تجاه دمشق بلا مطالب، ودون شروط، أو كأنما ينفتح عليها بلا ضوابط أو حدود؛ وهذا الأمر غير دقيق، وخاضع في تفسيره للهوى، والحسابات السياسية الضيقة التي تتصيد موقفا هنا أو هناك لتجميل صورة فريق، وتجييره لحساب فريق على حساب فريق آخر.

فمنذ أن اتضحت أبعاد التوازنات، القائمة حاليا، في الساحة السورية، ظهرت الحاجة إلى مراجعة الدور العربي الذي انحاز عند بداية الأزمة السورية، وتحت وقع التدخلات الإقليمية والمنافسة الدولية، إلى صفوف القوى المناهضة للنظام، والساعية لتغييره، أو تغيير أسس الشراكة فيه.

ولذلك، فإن عملية المراجعة تلك لم تكن مفاجئة، وليست وليدة موقف واعتبارات سياسية فقط، بل كانت وليدة جملة من المعطيات التي ظهرت عندما بدأ المشهد يتبدل، ويغير المعادلات والتوازنات على الأرض، ويفرز حقائق مختلفة، أعادت تقييم أحجام وأهداف المتصارعين فيها.

ففي حمأة الصراع، تبين أن ثمة قواسم مشتركة لا يمكن تجاهلها، أو التغاضي عنها بين قوى صُنفت على أنها قوى معارضة، وبين قوى وجماعات إرهابية لم تكن مقبولة إقليميا أو دوليا، وهو ما فرض نوعا من الحذر والتردد لدى القوى العربية المؤثرة، في دعم القوى المناهضة للنظام، خاصة بعد انسداد الأفق العسكري والسياسي أمام الهدف المعلن لتلك القوى، وهو تغيير النظام، أو حتى قبولها كجزء من تسوية تضمن لها مشاركة منصفة في الحكم.

في المقابل، وجدت الدول والجماعات التي ساندت النظام في دمشق، في الفراغ الذي تركه تردد وحذر الدول العربية في دعم فصائل المعارضة ومساندتها، فرصة لملء الفراغ، وزيادة انخراطها في الشأن السوري، والذي وصل لدرجة الهيمنة على المجريات الميدانية وعلى القرار في كثير من مفاصل الحياة السورية.

أصبح القرار العربي الرسمي تجاه سوريا، موزعا بين ضغط لا يجدي نفعا في لجم التدخلات الخارجية، وبين تجاهل يفاقم معاناة السوريين ويبقي على سوريا رهينة، وبوابة من بوابات التوتر الإقليمي، وباتت المراوحة في محاولات وجهود الحل مكلفة، لا لأطراف الأزمة فقط، بل للإقليم برمته.

في ظل ذلك كله، كان لا بد من مقاربة مختلفة، بما في ذلك التعاطي المباشر مع النظام السوري والتعامل معه كقناة اتصال، لا بد منها لممارسة التأثير على مجريات الأزمة، وفي تشكيل الحلول التي تضمن الوصول إلى صيغ تسوية مقبولة لها.

وهذه المقاربة بالرغم من أنها في الشكل كانت تنازلا عربيا تجاه دمشق، إلا أنها تشكل عمليا استجابة لوضع سوري يطالب أو يتطلع للانعتاق من الهيمنة الإقليمية والدولية التي تحول دون الوصول إلى تسوية مرضية لكل الأفرقاء السوريين.

كما أن تلك المقاربة شكلت قراءة جديدة – حتى لو كانت متأخرة – للدور الذي يمكن أن يلعبه النظام العربي للجم التدخل الإقليمي في الشأن السوري، ومنعه من التمادي والتوسع في تطلعاته بالمنطقة.

التحول في الموقف العربي جاء أيضا في وقت كانت تتطلع فيه سوريا إلى العالم العربي كشريك في إعادة الإعمار، وكجسر لعبور المقاطعة والحصار الدولي، الذي تعيش سوريا تحت وطأته منذ وقت طويل، فضلا عن أن معالجة الآثار التي خلفتها الأزمة السورية والندوب التي تشكلت خلال السنوات الماضية التي ظهرت على علاقات سوريا بمحيطها، باتت مستعصية ولا يمكن حلها إلا إذا كان هناك تأثير حقيقي ومباشر، للمحاور العربي على صانع القرار في دمشق.

في ظل هذه المعطيات وفي إطار فهم لمختلف جوانب الأزمة السورية، تحركت الدول العربية تجاه دمشق، خاصة أن الحلول باتت في عهدة العمل السياسي الذي لا بد أن يكون للطرف العربي الدور الأساسي والفاعل فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى