«صير بني ياس» الثانية عشرة
بقلم: محمد الرميحي
النشرة الدولية –
الندوة السنوية التي تنظمها وزارة الخارجية الإماراتية منذ أكثر من عقد هي المسماة «صير بني ياس»؛ تيمناً باسم إحدى الجزر الظبيانية التي هي اليوم محمية عالمية. الندوة فكرية، ومن تقاليدها ألا ينسب لقائل قول، فهي تبادل حر للأفكار.
العام الماضي عقدت الندوة عن بعد، الأسبوع الماضي عقدت وجاهية، وحضرها كالعادة عدد من السياسيين ومتخذي القرار والمفكرين في العالم. الاختلاف هذه المرة في المكان وفي المناسبة، فقد عقدت في مدينة دبي الحيوية (كانت تُعقد في فندق صحراوي جميل في أبوظبي) وتجمعت المناسبة على ثلاث، «الندوة» و«إكسبو 2020»، وقرب الاحتفال بالعيد الخمسيني لدولة الإمارات. حتى من يحمل أكثر التصورات خيالاً لم يكن يتخيل أن تنتقل هذه المنطقة (دولة الإمارات) مما كانت عليه، إلى ما أصبحت فيه من اقتصاد مزدهر ومدن ممتدة وبشر، والأخير الأهم؛ فقد تم استثمار رأس المال المعرفي في البشر ليصل لمن لا يعرف المنطقة إلى حد الدهشة في سوية تدريب الكادر البشري من شباب الإمارات نساءً ورجالاً، ليصبحوا قيادات متميزة تقود التنمية، والتي لا يبدو أن لطموحها سقفاً.
لا يتسع المقام لذكر تفاصيل الندوة، فقد كانت عناوين الجلسات هي، السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وإيران والمنطقة العربية، والمرأة والصراعات، والشرق الأوسط في مرحلة التطور والهند، وتحدي التعاون العالمي وتغير المناخ، ومسارات الاستقرار والسلام في سوريا واليمن وليبيا، والتعاون والتنافس في الفضاء، وفصل جديد في العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، وأفغانستان جديدة، ماذا يلوح في الأفق؟… تلك باختصار عناوين الجلسات النقاشية.
ما سوف أعرضه هنا هو «انطباعاتي» وليس كل ما دار من نقاش. من العناوين السابقة، نجد كم هي ثرية تلك النقاشات من جهة، وكم تحمل من وجهات النظر المختلفة تجاه تلك العناوين، يحملها البعض بسبب خبرته أو تصوراته، أو حتى تمنياته. كان طبيعياً أن يتم نقاش توجهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في تصور الإدارة الحالية، والتي هي كما عبّر أحدهم «إن السياسة التي تحتاج إلى مال ودم ليست الطريق التي تتوجه إليها الإدارة الحالية» الخيار هو المسار الدبلوماسي، فلا المعدة الأميركية الداخلية تهضم مسار «المال والدم»، وليس بالضرورة أن ذلك المسار ناجح! كما أن الخروج من أفغانستان «حرر موارد تحتاج إليها الدولة في أماكن أخرى».
أما إيران، فهي تعتمد على «التأخير الدبلوماسي والتصعيد النووي في الوقت نفسه»، هل هناك خطة في هذا الملف، نعم، وهي استمرار العقوبات، وربما التشدد فيها! لم تتضح بعد أي خيارات أخرى! وتعول الإدارة الحالية على شراكة نشيطة من دول الإقليم لاستطلاع مسارات التوافق وبيان الفرص؛ لأن أي خيار عنيف سوف يرجِع المنطقة بكاملها إلى نصف قرن سابق على الأقل، والتنسيق بين دول الإقليم له أهمية في تجنب الأسوأ، إيران هي في مرحلة «الاستقواء» في هذه الفترة، ومن الواضح أن هناك قوى فيها تعرف ما يدور في العالم، إلا أن أخرى ليس لديها الكثير من الاطلاع أو التواؤم مع ما تتطلبه العلاقات الدولية من جهة، أو مع متطلبات التنمية الحديثة من جهة أخرى؛ لذلك تتخذ سياسات «تزيد العلل والعاهات» في الداخل الإيراني وفي الجوار، وتساهم سياستها بإطلاق ردود فعل «متشددة مذهبية؛ لأن البعض يرى أنها متشددة مذهبياً» للدخول في دائرة صراع تفاقم الفساد المستفيد من الخوف المرضي لفقد السلطة.
المرأة والطفل في منطقة الشرق الأوسط هما أكبر ضحايا الصراع، فهما الأضعف في المجتمع وتقع عليهما معاً أعباء فقدان الموارد والتعليم والعناية الصحية والاضطرار إلى العيش في الملاجئ أو الضياع في المهاجر، تلك شريحة تداس بقسوة في ظل الصراعات المختلفة في المنطقة.
مسارات الاستقرار في سوريا واليمن وليبيا، كانت الآراء تنقسم بين التفاؤل الحذر والتشاؤم، إلا أن بعض تلك الملفات قد وُضعت على سكة الترقب والاكتشاف، وما توافقت عليه معظم الآراء، أن «هناك مكونات خارجية لها مصالح في استمرار الصراع».
النظرة من الهند وسياستها في المنطقة، يرى المتحدث أن هناك بين تسعة وعشرة ملايين مواطن هندي يعملون في دول الخليج، وهو حجم يرفد الاقتصاد الهندي، كما يستثمر رأس المال الهندي في بعض القطاعات النشيطة في دول الخليج، ولم تعد الهند تنظر إلى الخليج «مصدراً للطاقة» كما كان سابقاً، بل مكان للاستثمار المتبادل، من هنا فإن الاستقرار في المنطقة يشكل أولية لها، كما أنها «متنافسة» مع الصين من جهة وباكستان من جهة أخرى، وهو تنافس تاريخي وصل إلى اشتباكات مسلحة؛ لذلك تنظر بعين الحذر والترقب إلى تلك المناطق. تغير المناخ كان له حظه من النقاش من أكثر من زاوية، الأولى أن الوعي بأهمية فهم ما ينطوي عليه هذا الملف العالمي من مخاطر ما زال ضعيفاً في منطقة الشرق الأوسط، والثانية أن تأثير تغير المناخ على المنطقة كبير من تلوث الهواء والماء إلى طغيان مستوى البحار، والثالثة أن المنطقة قد استطاعت أن تقنع العالم بأن يكون الشرق الأوسط مكاناً للقمتين المقبلتين للمناخ، الأولى في شرم الشيخ في مصر (السنة المقبلة) والأخرى في دولة الإمارات، وهي خطوات مهمة في طريق الاستفادة من الجهد العالمي لتقليل أضرار تلك المعضلة العالمية، بالتالي اهتمام دول المنطقة بإنشاء مؤسسات لمتابعة هذا الموضوع ضرورة.
ولأن الإمارات من السبّاقين لاكتشاف سبل إلى الفضاء؛ فقد كان الحديث مشوقاً فعرض كم من الجهد والتنافس الدولي في هذا الملف الغامض على كثيرين، وما تستفيد البشرية من نتائج بحوث الفضاء على الصحة والتعليم، بل وبناء المدن.
الموضع الفلسطيني ليس فيه جديد فقد بان التمترس بين الفرقاء، وكاد الإحباط أن يصاب العالم بـ«الإعياء» تجاه ذلك الملف، والذي يؤثر على مجمل الملفات الصراعية الأخرى في الشرق الأوسط.
أما أفغانستان، فقد كان لافتاً أن يقال، إن العالم رغم حذره أو شكوكه أو حتى خوفه من وصول «طالبان» إلى السلطة، فإن جذور المشكلة والتي جعلت قطاعاً واسعاً من الشعب الأفغاني ينضم أو يبقى محايداً، هو أن «العصر الجمهوري الأخير»، كان طافحاً «بالفساد»، والفساد هو السم الذي يقتل الأوطان ويطيح الزعامات!
آخر الكلام:
تُستهدف دولة الإمارات، ربما بسبب نشاطها الدبلوماسي أو نجاحها التنموي، بالكثير من اللغط غير الموضوعي، إلا أن المشاهَد أنها تتقدم في الكثير من الملفات وتحقق نجاحات مشهودة في الملفين الاقتصادي والدبلوماسي.