عباس الحاج حسن: “السعودية كانت إلى جانب لبنان شاء من شاء وأبى من أبى وهي ستعود حتماً إلى لبنان”
النشرة الدولية –
نداء الوطن – غادة حلاوي –
بعد 14 عاماً في الغربة، عاد الإعلامي عباس الحاج حسن إلى لبنان برتبة وزير. “شرف وثقة كبيران” أولاه اياهما رئيس مجلس النواب نبيه بري ويجهد ليكون على قدرهما، كما يقول. من صحافي في “فرانس 24” إلى وزير للزراعة، لا وجه شبه ولا قاسم مشتركاً سوى شخصية الحاج حسن التي تطغى عليها الحماسة في العمل، فكيف إذا كان الغرض خدمة أهله وناسه في بلده الأم. الوزير المنتمي الى الإعلام قبل أي شيء آخر، تقدم بعد تعيينه بإجازة من مقر عمله لمدة أحد عشر شهراً، ولا نعلم فقد يعود الى عمله قبلها بكثير، أو هي فترة قد تطول لتتحوّل الحكومة الى حاكم منفرد إذا ما تعطلت الحياة البرلمانية والانتخابات الرئاسية ودخلت البلاد في المجهول.
حالياً، يتحمّل الحاج حسن مسؤولياته على الرغم من “الكبوة الحكومية” التي يتوقع حلّها في وقت قريب، جهوده منصبّة على وزارته التي يشيد بكفاءة موظفيها، وعلى البحث عن أسواق جديدة للمنتجات الزراعية مثل الأردن ومصر وتركيا، في انتظار العودة إلى الخليج من بوابة السعودية “التي لا نستغني عنها ولا تستغني عنا”. بعد مضي ما يقارب الشهرين ونصف على عمله في الحكومة خص الحاج حسن “نداء الوطن” بهذا الحوار:
ما القاسم المشترك بين الإعلام والزراعة؟
بالمنطق ليس هناك تلاقٍ، ولكن للإعلام دوراً مركزياً في كل الوزارات. المواكبة الإعلامية تساهم في إنجاح العمل الحكومي. أتعاطى مع وزارة الزراعة بصيغة الإعلامي لضمان النجاح. كان يمكن أن يترأس الوزارة مهندس زراعي، ولكن في يومنا هذا نحتاج في الإدارة إلى رسم استراتيجيات وتوجيه، أما الأمور التقنية فالإدارة زاخرة بالطاقات المهمة التي تحتاج إلى من يهزّها للنهوض. وللعلم فإن وزارة الزراعة لا تكلف الدولة اللبنانية فلساً واحداً بدل مستشارين لانهم موجودون في الوزارة ويتم انتدابهم الى عمل اضافي.
يعني انك لم تأت بـ”حاشيتك” جرياً على العادة في كل حكومة؟
لم يعد هناك هذا الترف. اللبناني بدأ تغيير منهجية التفكير التي كانت سائدة سواء كان مسؤولاً أو مواطناً عادياً. الأزمة الاقتصادية ألقت بثقلها حتى على الواقع الاجتماعي المعاش، وهذا أمر ينعكس على الطبقة السياسية بطبيعة الحال.
هل تفاجأت من واقع الوزارة؟
طبعاً فوجئت. المحزن هو وجود كادرات ممتازة تحتاج الى تأطير فقط. ترغب في العمل لكنها تفتقر الى التوجيه.
علماً أن الفكرة السائدة هي ان موظفي الادارات العامة ليسوا من ذوي الكفاءة وهناك فائض منهم داخل الإدارات؟
ليس صحيحاً ابداً. هناك فائض ولكن حتى هذا الفائض فيه نوعيات ممتازة وخامات تحتاج الى من يوجهها. ما تحتاج اليه وزارة الزراعة اليوم هو ضخّ مشاريع وافكار للعمل عليها. والشراكة عامل مهم والحاجة اليوم الى اول موظف، ولا اقول أصغر، هو الذي يسيّر معاملات المواطنين ويجب ان اكون على تماس معه، ولذلك منذ وصلت عممت رقمي وطلبت من الموظفين التواصل معي مباشرة، لا لشيء وانما بهدف كسر الروتين ولمساعدة الناس وفكفكة الحواجز النفسية. ويعمل بهذه الذهنية تسعون بالمئة من الوزراء الحاليين داخل الحكومة.
كل هذه الاندفاعة فرملتها الصدمة الأولى في عمل الحكومة؟
كانت صدمة بالفعل. توصيف صحيح. الكبوة الحكومية أثرت كثيراً، لا شك، على الاداء الحكومي بشكل عام ولكن كل وزير يعمل وكأن الامور تسير كما يرتجى لها مع تأجيل الامور التي تحتاج الى مجلس وزراء. كل القرارات التي تتخذ في وزارة الزراعة هي قرارات تسييرية يعود للوزير اتخاذها. بعض القرارات الأخرى كالسلف والمازوت تمر عبر رئيس الحكومة. كنا أعددنا خطة بأن نذهب الى كل اقطار الدنيا ونأتي بالعالم الى لبنان، ولكن المشكلة الحكومية أثرت على أداء اللبناني مع دول الاقليم والاشقاء العرب والدول الصديقة.
هل تتوقع معاودة جلسات الحكومة قريباً؟
حكماً.
بالاستناد الى ماذا؟
السؤال الذي يسأله الجميع هو ما هي الآليات التي يجب ان تُتّبع لعودة الامور الى ما كانت عليه، والجواب بسيط جداً وهو انتفاء السبب. ما هو السبب الاساسي الذي دفع الامور الى هنا؟
المطالبة بتنحية المحقق العدلي طارق البيطار؟
نبدأ من هنا وبعد قضية البيطار هناك حادثة الطيونة الأليمة وايضاً في ما بعد ترتيب العلاقات مع الإخوة في المملكة العربية السعودية وباقي الدول العربية. ملف بثلاث شعب لكن الترتيب يبدأ بالقاضي البيطار ومن يتحمل المسؤولية يجب أن يعاقب.
هل تربط بين ملفات ثلاثة كشرط لانعقاد الجلسة؟
ليس شرطاً، بل نطرح الآليات للحل.
ولكن الى أي مدى يمكن ان تتحقق هذه الامور؟
الجواب ببساطة ان هناك جهوداً جدية تقوم بها قوى وطنية وازنة على رأسها الرئيس بري يجب ان تبقى بعيداً من الاعلام حتى تنضج. هناك بوادر جدية نتمنى ان تكون الخواتيم جيدة لنذهب جميعاً الى الجلسة الحكومية.
ألا تعتقد بوجوب فصل المسار القضائي للقضية عن المسار السياسي؟
لذلك يجب ان تنضج الحلول بعيداً من الاضواء وبعيداً من مجلس الوزراء. وكنت اتمنى مثل اللبنانيين ان يكون هناك قضاء منزّه، وسيف مصلت على الجميع لكنا بألف خير.
هل يمكن أن تحدّد فترة زمنية يعود بعدها العمل الحكومي الى طبيعته؟
هذه تحتاج الى ليلى عبد اللطيف.
يعني دخلنا في علم الغيب؟
ليس بالضرورة. أتمنى ان تنعقد الحكومة يوم غد لنحتفل سويّاً.
صار انعقاد الجلسة يحتاج الى احتفال؟
ليس القصد وانما للحاجة الى تنفيس احتقان الناس.
هل تلتقي مع زملائك ممن يعتبرون أن استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي يجب ان تتم اليوم قبل الغد؟
الوزير قرداحي قامة وطنية وقيمة مضافة والمعضلة التي حصلت ليست هي المشكلة وليست الحل. حتى لو استقال فالمشكلة لن تنتهي لانها أكثر تعقيداً من ذلك وتحتاج الى تضافر جهود، وان يكون هناك وعي حقيقي بأن يحسم هذا الملف مرة واحدة للحؤول دون تكرار الامور كل فترة. نطالب بأفضل العلاقات وأحسنها مع المملكة العربية السعودية. إلتقيت على هامش القمة الاسلامية للامن الغذائي قبل شهر ونصف معالي وزير الزراعة والوفد المرافق، وكان لقاء طيباً واتفقنا على تبادل اللجان الفنية في ما خص الزراعة وبالتالي فان المملكة ليست بعيدة عن لبنان ولا لبنان بعيد عنها. لطالما حصلت مثل تلك الازمات بين الدول وليست نهاية العالم بدليل الازمة التي حصلت مع قطر.
لكن لقطر مقومات صمود أكثر منا؟
لا أتحدث عن الصمود وإنما عن الازمة. كانت هناك ازمة حادة ولكنها حلت.
كيف أثرت الازمة مع دول الخليج على القطاع الزراعي؟
جعلت الامور صعبة. إغلاق السوق السعودية والاسواق الاخرى يشكل عاملاً ضاغطاً ومنذ اللحظة الاولى نعمل على فتح اسواق جديدة. لا اقول اننا نبحث عن بديل للسوق السعودية لاننا سنعود حتماً الى هذه السوق، والسعودية ستعود حتماً الى لبنان، وهذا الامر انطلق به من خلال معطيات تؤكد ان الاخوة والشراكة بين البلدين لن تنتهي، ولطالما قدمت السعودية يد العون للبنان في كل الاعتداءات الاسرائيلية ومنذ الستينات موجودة الى جانبه شاء من شاء وأبى من أبى، والموقف السعوي كان متقدّماً وهذا الامر يؤكد اننا سنعود الى سابق عهدنا. بعض المنتجات تأثرت بشكل مباشر ولكن السوق الاردنية فتحت لنا اسواقها في بادرة يشكر عليها الملك الاردني، وكذلك السوق المصرية أبدت كل مساعدة والاتراك والدول المغاربة، ونحن في طورعقد اتفاقية شراكة مع الاتراك رغم ان مواسمنا متشابهة ولكن لديهم خبرات ممتازة، كما ان الاوروبيين يمدون لنا يد العون والعرب عبر الفاو والمنظمات الدولية والمجتمع المدني.
عصر الفوضى وصل الى جودة الانتاج الزراعي فهل تتم المعالجة؟
وزارة الزراعة وضعت سقفاً يمنع خروج اي منتج من دون ان تكون هناك فحوصات تؤكد صلاحيته للاستهلاك تجنباً لأي اشتباك ديبلوماسي نحن بغنى عنه، لذا أؤكد التزام شراكة لبنان مع محيطه العربي ضمن منطق المعاملة بالمثل.
إرتفاع اسعار الخضار والفاكهة بلغ حدّاً لم يعد يحتمل؟
هذا أمر ناقشناه مع وزير الاقتصاد والسادة الوزراء لعمل آلية تحديد مؤشر يتم الالتزام به ويحتاج الى رقابة. وزارة الاقتصاد مشكورة لكن ليس لديها العدد الكافي من المراقبين للسيطرة على كل السوق اللبنانية. كلفة المبيدات والتسميد عالية والمياه والمازوت وكلها تنعكس على المستهلك وهذا يحتاج إلى تضافر الجهود. فالضابطة العدلية يجب ان تتحرك ووزارة الاقتصاد والزراعة أيضاً، ويجب ان تكون هناك خلية حقيقية لضبط الاسعار.
ما هي الحوافز لتعزيز القطاع الزراعي وتحفيز المزارعين للعودة الى الارض؟
نحن ندفع ثمن اربعين سنة من السياسات الفاشلة. ربما كان الاستثمار بالسياحة والقطاع المصرفي صحيحاً في الماضي، أما اليوم فيجب الاستثمار في القطاعات الانتاجية اي الزراعة والصناعة. لا قيام للاقتصاد اللبناني المترهل الا بالزراعة. هناك مشروع كان في الادراج لأسباب متعدّدة وهو القنب الهندي ويجب ان تعدّ مراسيمه التطبيقية ليصبح نافذاً، وحده يمكن ان يغذي الخزينة بما يقارب المليار دولار سنوياً.
كلها خطط طويلة المدى ماذا عن الدعم حالياً للمزارع؟
اليوم دعم الدولة مفقود لانها تحتاج الى دعم، لذلك لدينا مؤسسات دولية وهيئات مانحة كانت في الماضي تستنسب وتعمل بمفردها فطلبنا التشارك معها بالافكار والتخطيط لنحقق سياسة زراعية حقيقية، وطلبنا من البلديات عرض مشاريع تحتاجها مناطقهم لتقديمها الى الهيئات المانحة.
ما كان الهدف من زيارتك البطريرك الراعي؟
لأخذ البركة اولاً، والحديث مع غبطة البطريرك وهو من الشخصيات التي تجترح الحلول. الهدف لم يكن سياسياً. كنت في جولة في ضوء الواقع الاليم في بيت مري فكان يجب ان نذهب الى غبطته للاستماع إلى نصائحه في القطاع الزراعي تحديداً.
كيف واكبت وزارة الزراعة الحرائق التي اندلعت وكيف ستعالج الاراضي المحروقة؟
كوادرنا عملت منذ الساعات الاولى لاندلاع الحرائق وتواصلت مع كل الفرق العاملة على الارض ومنها “اليونيفيل”. كان دورنا مركزياً والتقارير التي رفعت اعتمدت كداتا. ننتظر الشتاء لنرى امكانية معالجة الاراضي التي احترقت ونحتاج لدورة عام كامل لاعادة زراعتها.
هل ستساهم الكارثة في حل مشكلة مأموري الاحراش؟
موضوع مأموري الاحراش يجب ان يفرج عنه. يا جماعة اذهبوا اينما تريدون في السياسة لكن هذا الامر يحتاح الى حل وهو أمر ملحّ وحلّه يتم بالسياسة، ولقد تباحثت مع وزير البيئة بشأنه، كأنه صار من المحرّمات. ولذا اقترحت دعوة البلديات الى توظيف نواطير ودفع رواتبهم من صندوق البلدية.
هل تتواصلون كوزراء في الحكومة ام انكم لم تتعرفوا على بعض حتى الآن؟
نتواصل عبر “الواتساب” والتنسيق قائم والتفاعل مستمر وفاعل وهناك حماسة.
ما أكثر ما صدمك في الواقع السياسي بالممارسة؟
حين رأيت الى اي مدى يمكن لهذا الاشتباك السياسي ان يتفكك لولا بعض العنجهيات والرؤوس الحامية التي لا تفكر الا من منظار ضيق وهذا محزن جداً.
هؤلاء كثر؟
ليسوا كثراً لكنهم “مش قلال”. أتمنى من كل قلبي ان تكون هناك مسؤولية ونحن في لحظة مفصلية لا يمكننا إلا ان نتواضع، فالتواضع في سبيل الوطن انتصار.
لمن تتوجه بكلامك؟
الى كل من يرى الامور من منظار ضيق وكم اتمنى ان نصل الى مصارحة ومكاشفة ونفتح صفحة جديدة ونتفق على ان الفكر الالغائي لا يبني وطناً.
هل ستزور سوريا؟
طبعا هناك زيارة قريبة في الاطار الزراعي لمناقشة الاتفاقيات الموقعة او تلك التي تحتاج الى توقيع ولبحث امكانية تسهيل عملية الترانزيت استعداداً للتصدير الى الدول العربية.
هل ستزورها من دون العودة الى مجلس الوزراء؟
طبيعي لا، لأننا نريد ان تكون علاقتنا مع سوريا شفافة.