واشنطن تهتم برعاياها في الرياض.. أمّا بيروت فبحزب الله
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

حين سأل ميشال غندور في مقابلة مع “الحرّة” نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، دانييل بنايم، عن خلفية حماسة إدارة الرئيس جو بايدن لتزويد المملكة العربية السعودية بصواريخ جو-جو، قدّم المسؤول الأميركي جواباً يدفع بلبناني مثلي إلى التأمّل كثيراً وعميقاً، في أحوال اللبنانيين مع حكّامهم والمتحكّمين بهم.

قال بنايم لغندور :”لدينا في المملكة 70 ألف أميركي، ونريد تزويد قواتها المسلّحة بأسلحة تمكّنها من الدفاع عن هؤلاء وعن شعبها من العدوان الذي يستهدفها”.

هذا المنطق الذي تسوقه الإدارة الأميركية في تبرير خطوة قيل إنّها لا تتطابق مع “الوعود الانتخابية” التي سبق أن أطلقها بايدن، في حملته الرئاسية، يتم اعتماده، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي أعظم قوّة اقتصادية ومالية وعسكرية في العالم.

ولكنّ هذه الريادة لا تمنع واشنطن من رعاية مصالح “قلّة” نسبية من رعاياها في العالم عموماً وفي المملكة العربية السعودية خصوصاً، على حساب التوجّهات السياسية والحزبية والفكرية والعقائدية.

في مقابل هذه المشهدية الأميركية، تجد حكماً مثل الحكم الذي يضع يده على مقاليد لبنان، حيث الانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تقذف باللبنانيين إلى ما دون خط الفقر، يتواطأ ضد مصالح شعبه، فيترك “حزب الله” يعتدي على المملكة العربية السعودية والكويت وغيرهما من الدول، حيث يعمل اللبنانيون، بأعداد مضاعفة عن الأميركيين.

ويستطيع الشعب الأميركي أن يحافظ على مستوى معيشته، حتى لو تضررت مصالح العاملين منه في السعودية ودول الخليج، في حين أنّ الشعب اللبناني، لولا التحويلات المالية للعاملين منه في المملكة و”شقيقاتها” لتضاعفت شجونه وكوارثه.

بطبيعة الحال، لا يملك لبنان أسلحة يمكن أن يصدّرها الى المملكة العربية السعودية، كما هي عليه حال الولايات المتحدة الأميركية، ليدافع عن سلامة أبنائه العاملين فيها ومصالحهم، ولكن بإمكان حكّامه أن يكفّوا أذاهم عنهم، فيحاربوا تهريب المخدرات إليها، ويوقفوا تبرير الاعتداءات التي تستهدفها، ويدقّقوا في كفاءات الأشخاص الذين يوزّرونهم، ويسعوا مع “حزب الله” الذي يشارك في الحكومة- حتى لا نقول إنّه يهيمن عليها- ليضع حداً لشراكته في هذا العدوان.

إنّ الحكم اللبناني، سواء عن عمد أو عن عجز، أصبح خطراً مطلقاً على الشعب ومصالحه، فهو بعدما سرقه وسلبه وسطا على مدّخراته وصادر قراراته وهرّب المستثمرين وأفلس المالية العامة وهدّم الاقتصاد، لا يتوانى عن مطاردتهم الى حيث يعيشون ويعملون وينتجون.

وفيما الأنين يملأ شوارع لبنان، بدأ القلق يقض مضاجع اللبنانيين في عدد من دول الخليج، ففي ظل الإجراءات المتتالية التي تتخذها الكويت، بسبب الشبكات التي يشغّلها “حزب الله” فيها، بعد إنذارات كثيرة واكبت اكتشاف الشبكة ما قبل الأخيرة، يخشى اللبنانيون الذين في السعودية من إجراءات مستقبلية.

وهم بدأوا يلمسون، من دون أن يكون هناك أي إعلان رسمي أو شبه رسمي، التشدّد في إجراءات منح تأشيرات العمل، كما أنّهم، كلّما جرى رفض تحويل مبلغ مالي إلى لبنان، كما بات يتكرّر في الأيّام القليلة الماضية، أصابهم الهلع، من أن يتم قطع “العلاقات المالية” مع وطنهم كما سبق أن تمّ قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية.

صحيح أنّ السلطات السعودية تفصل بين اللبنانيين والسلطة، ولكنّ هذا لا يطمئنهم، لأنّ جزءاً أساسياً منهم دفع الثمن، كالعاملين في حقل استيراد الخضار والفواكه والمصنوعات من لبنان، وهم يخشون أن تتم مفاجأتهم بسلوك عدائي، من نوع آخر، من شأنه أن يصنّفهم في خانة غير المرغوب بهم.

إنّ الاجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية، لمنع إغراق أسواقها بالمخدرات فيما تعتبره نوعاً من حرب إيران، بواسطة ميليشياتها في لبنان وسوريا، على مجتمعها انعكست كارثة على المنتجات والصناعات اللبنانية، وعلى هؤلاء الذين يتولون، وكلاء وشركات وعاملين، استيرادها وتسويقها.

ومن الواضح أنّ الإجراءات السعودية في لبنان سوف تشهد تصعيداً في الآتي من الأيّام، فالتأخير في معالجة “صواعق الأزمة” نقلها من مكان كان قابلاً للعلاج الى مكان معقّد للغاية، قابل لمزيد من التدهور.

وهذا ما تظهره، بوضوح افتتاحية صحيفة “الرياض” السعودية في عددها الصادر يوم أمس، وقد جاء فيها الآتي: “الموقف السعودي الحازم وضع الدولة في لبنان أمام لحظة الحقيقة، فلا يمكن للبنان أن يُحكم بمنطق الميليشيا، ويسعى لعلاقات دولية بمنطق الدولة، هذا التناقض العميق في بنية الدولة أصبح قضية لبنانية داخلية، ومن يدور حول هذه القضية ويتهرب من الحقيقة إنما يمد في زمن العلة اللبنانية، ويطيل أمد معاناة الشعب اللبناني، رغم أن جسد لبنان المريض لم يعد يتحمل المزيد”.

وفي لقاءات جمعتني بشخصيات سعودية، حيث جرت مناقشة القطيعة السعودية مع لبنان يتضح إلى أن الرياض ترفض أيّ تواصل مع الطبقة الحاكمة، لأنّه في نظرها “هناك نوعان من الحكّام في لبنان، الأوّل يعمل مباشرة لمصلحة “حزب الله”، والثاني يخضع له، إنْ لم يكن في الكلام ففي الأفعال”.

مسكين الشعب اللبناني، ففي وقت تعتمد فيه دولة عملاقة يحتاج الجميع اليها، كما هي عليه حال الولايات المتحدة الأميركية، لغة تحفظ مصالح شعبها وقواه العاملة، تجد في لبنان الذي جرى تقزيم ما كان كبيراً فيه، أمثال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الذي بدل أن يكتفي بوظيفته كأمين مستودع لصواريخ الحرس الثوري الإيراني، يصرّ على تنصيب نفسه فيلسوفاً في الاقتصاد والقانون والعلاقات الدولية والأسواق المالية.

زر الذهاب إلى الأعلى