اختيارات إيران النووية واختياراتنا
بقلم: بروجيكت سنديكيت
النشرة الدولية –
إذا تجاوزت إيران الخطوط الحمراء الكمية أو النوعية، فستدفع ثمنا باهظا، فبالإضافة إلى زيادة العقوبات، يمكنها أن تتوقع هجمات سيبرانية فضلا عن هجمات عسكرية تقليدية على منشآتها النووية وربما أهداف ذات قيمة اقتصادية وعسكرية.
من المقرر أن تُـسـتأنَـف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بشأن أنشطة إيران النووية في التاسع والعشرين من نوفمبر، ولكن برغم أن كثيرين سيرحبون بهذا التطور، فمن الواجب عليهم أن يضعوا في الاعتبار أن المحادثات من غير المرجح أن تنجح. وحتى لو صادفت النجاح، فإن أي اتفاق لن يحل سعي إيران الحثيث لبسط هيمنتها الإقليمية، أو إنتاج الأسلحة النووية. لنستعرض أولا بعض التاريخ، ففي عام 2015، أبرمت إيران، والولايات المتحدة، والصين، وفرنسيا، وألمانيا، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الاتفاقية التي قضت بخفض مخزون إيران من اليورانيوم، ومستوى تخصيب اليورانيوم المسموح لها بالوصول إليه، وعدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكنها تشغيلها، كما جرى تنظيم عمليات التفتيش الدولية المكثفة، وتعهدت إيران بالامتناع كليا عن إنتاج أسلحة نووية.
طبقا لتقديرات خبراء، فإن هذه الترتيبات كانت تعني أن إيران ستحتاج إلى ما يصل إلى عام كامل لإنتاج أسلحة نووية إذا اختارت القيام بذلك وأن المفتشين من المرجح أن يكتشفوا مثل هذه العملية، بيد أن معظم القيود التي فرضها اتفاق 2015 كانت تتضمن فقرة “انقضاء”، وهذا يعني أن العمل بها ينتهي خلال فترة تتراوح بين 10 و15 عاما.
بمجرد رفع القيود، ستحتاج إيران إلى وقت أقل كثيرا لتطوير برنامج أسلحة نووية تام النضج، ومع ذلك، بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة جرى فك تجميد مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية، وأعفيت إيران بشكل كبير من العقوبات الاقتصادية الشاملة. اختارت إيران الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن بعد ثلاث سنوات، في عام 2018، في عهد الرئيس دونالد ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية، التي وصفها ترمب بأنها “مروعة” و”واحدة من أسوأ المعاملات وأكثرها محاباة لجانب واحد”، ثم فرض مجموعة جديدة من العقوبات الصارمة، وبعد ذلك بفترة وجيزة، تحركت إيران لإبقاء المفتشين الدوليين على مسافة واقتربت بثبات من التمكن من إنتاج أسلحة نووية، وتشير أدلة قوية إلى أنها قامت بتخصيب القدر الكافي من اليورانيوم إلى درجة تقترب من المستوى اللازم لإنتاج سلاح نووي واحد أو أكثر.
في عهد الرئيس جو بايدن، أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها في العودة إلى الاتفاقية (التي جرى التفاوض عليها عندما كان بايدن نائبا للرئيس) وحثت إيران على فعل الشيء ذاته، ومع وجود رئيس جديد (إبراهيم رئيسي) في إيران أيضا، أعلنت إيران استعدادها للقيام بذلك، ولكن بشرط إلغاء العقوبات التي فرضت في عهد ترامب أولاً، وإذا قادت المفاوضات الجانبين إلى العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن هذا من شأنه أن يعيد فرض القيود على البرنامج النووي الإيراني لمدة تقرب من عشر سنوات مقابل رفع العديد من العقوبات الاقتصادية ولكن ليس كلها.
لكن هذا السيناريو لا يخلو من مشكلات، فأولاً، سيسهل رفع العقوبات حصول إيران على الموارد المالية الكفيلة بالسماح لها بالقيام بالمزيد مما تقوم به بالفعل لتقويض الاستقرار في اليمن، وسورية، والعراق، ولبنان، وغزة، وأماكن أخرى في المنطقة، لم يقيد اتفاق 2015 مثل هذا النشاط.
ثانيا، لا يوجد من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن إيران قد توقع أبدا على اتفاق نووي “أطول أمدا وأكثر قوة” (خطة عمل شاملة مشتركة 2) تفرض قيودا أكثر صرامة على برنامجها النووي لفترة أطول، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن تركيبة إيران السياسية أو ما تسعى إلى تحقيقه من أهداف قد يختلف جوهريا في غضون عشر سنوات من الآن.
يقودنا هذا إلى عيب آخر يشوب إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة: فقد تعود إيران إلى اتفاق 2015، وتمتثل له، في حين تعمل على التعجيل بإنتاج الصواريخ الباليستيكية (التي لا يغطيها الاتفاق أيضا)، ثم تبدأ بعد عام 2030 في توسيع مخزونها من اليورانيوم المخصب بشكل كبير. بالإضافة إلى هذا، ربما تواصل إيران في مواقع مخفية تنفيذ مشروعات ذات صلة بتطوير الأسلحة بالبناء على ما تعلمته في السنوات القليلة الأخيرة، وهو النشاط الذي من شأنه أن يفضي إلى تعزيز جودة وكمية أي أسلحة نووية إذا قررت السعي إلى إنتاجها.
السؤال ليس إذا كنا سنصل إلى هذه المرحلة، بل متى نصل إليها: خلال أشهر إذا فشلت المفاوضات، أو في غضون أقل من عشر سنوات إذا نجحت، من الواضح أن إيران التي يُـسـمَـح لها باكتساب المعرفة الميدانية الكاملة بالأسلحة النووية أو الاقتراب من مثل هذه النقطة (أن تصبح على أعتاب كونها دولة مسلحة نوويا) ستكون في الأرجح أكثر عدوانية في جهودها الرامية إلى تشكيل المنطقة على هيئتها. من ناحية أخرى، قد تدفع إيران التي تمتلك أسلحة نووية، أو لديها القدرة على إنتاجها في غضون أيام أو أسابيع، واحدة أو أكثر من الدول المجاورة- في الأرجح، المملكة العربية السعودية، أو مصر، أو تركيا- إلى أن تحذو حذوها، وهذا من شأنه أن يدفع المنطقة التي تمزقها الصراعات بالفعل إلى حافة الهاوية.
البديل هو الاستعاضة عن الدبلوماسية الرسمية بشيء أقل رسمية، سمها دبلوماسية مستترة أو محاولة للحد من التسلح بدون اتفاقيات، وفي ظل هذا السيناريو، تقوم حكومة الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات المعنية (بما في ذلك إسرائيل) بإبلاغ إيران بوضوح بحدود تسامحها في ما يتعلق بقدرتها النووية.
إذا تجاوزت إيران هذه الخطوط الحمراء الكمية أو النوعية، فستدفع ثمنا باهظا، فبالإضافة إلى زيادة العقوبات، يمكنها أن تتوقع هجمات سيبرانية فضلا عن هجمات عسكرية تقليدية على منشآتها النووية وربما أهداف ذات قيمة اقتصادية وعسكرية.
لن يخلو مسار الأحداث هذا أيضا من مخاطر وتكاليف، فليس هناك ما قد يضمن نجاح مثل هذه الهجمات، خصوصا أن إيران ستبذل قصارى جهدها لحماية العناصر المهمة في برنامجها النووي وإعادة تشكيلها إذا لزم الأمر، وستحظى إيران أيضا بخيار تنفيذ ردود انتقامية بالاستعانة بمجموعة من الأدوات وضد أهداف من اختيارها في مختلف أنحاء المنطقة والعالم.
كل هذا يعني ضمنا اختيارات صعبة أمام الولايات المتحدة، وربما يضطر بايدن وخلفاؤه إلى النظر في المشاركة في هجمات ضد إيران أو التغاضي عن هجمات ضدها، وقد يضطرون أيضا إلى التعهد بأن الولايات المتحدة سترد على أي تهديد إيراني باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها فعليا، تماما كما تفعل الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا وآسيا ضد روسيا والصين.
لقد أوضح كل من ترامب وبايدن رغبته في تقليص التورط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وبسبب إيران، يبدو أن تحقيق هذه الرغبة بات مستبعدا على نحو متزايد.