أدوات عقيمة لمعالجة التضخم في عهد جو بايدن
بقلم: بوليتيكو
النشرة الدولية –
يبدو الموقف الذي أطلقه البيت الأبيض في الصيف الماضي حول الطبيعة “الانتقالية” للتضخم غير مقنع، ولن يستفيد الرئيس، الذي يسجّل تراجعاً واضحاً في نسبة تأييده، من ارتفاع الأسعار أو شح السلع أو زيادة كلفة الوقود بدرجة فائقة في موسم عيد الميلاد المرتقب.
كان الرئيس جو بايدن واضحاً في موقفه حين وضع التضخم على رأس أولوياته بعدما بلغ أعلى مستوياته منذ ثلاثين سنة، فقال بايدن حديثاً في ميناء “بالتيمور”: “يشعر الكثيرون بالاضطراب بسبب الوضع الاقتصادي، ونعرف جميعاً السبب. هم يلاحظون ارتفاع الأسعار، ويحاولون التسوق عبر الإنترنت لكنهم لا يجدون ما يبحثون عنه دوماً في الوقت الذي يريدونه، فنحن نلاحق هذه المشاكل ونحاول إيجاد أفضل الطرق لمعالجتها في المرحلة المقبلة… أنا أعطي الأولوية لكبح هذه النزعة الشائبة”.
لكن لا يمكن الإغفال عن حقيقة تاريخية واضحة: يستطيع التضخم أن ينسف أي عهد رئاسي! لا يبلي الرؤساء وأحزابهم حسناً حين ينشغل الناخبون بمشكلة التضخم في زمن الانتخابات.
لا يملك الرؤساء القدرة على تخفيف تداعيات التضخم، ولا يتساهل الرأي العام مع الرؤساء حين يثبتون عجزهم في هذا الملف، وعند مراجعة الأدوات التي تستعملها السلطة التنفيذية الأميركية، يسهل أن نلاحظ أنها فارغة المضمون ومليئة بأجهزة بالية أو مضحكة أو بلا قيمة أو مدمّرة سياسياً.
لم تواجه الولايات المتحدة مستوىً مقلقاً من التضخم منذ الثمانينيات، ويشكّل هذا الوضع مصدر قلق شديد للرئيس بايدن وحزبه، ولم يتعامل الأميركيون منذ عقود مع مشاكل ارتفاع الأسعار في جميع المجالات، فقد لا يُقارَن مستوى التضخم الذي يصل إلى 6 أو 7% مع المستويات المسجلة في عهد جيمي كارتر، لكن الوضع القائم يبقى مقلقاً مقارنةً بالماضي القريب.
ما الذي يستطيع بايدن تقديمه اليوم إذاً؟ يمكنه أن يلجأ إلى “احتياطي البترول الاستراتيجي” الذي يلبّي جزءاً بسيطاً من حاجات البلد إلى الطاقة وكان الرؤساء يستعملونه كملجأ أخير في الماضي عند مواجهة هذا النوع من المشاكل، كما يستطيع بايدن وفريقه أن يعلنوا أن القانون الجديد المرتبط بالبنية التحتية سيرفع مستوى الإنتاجية عبر زيادة فاعلية نقل السلع، لكن لن يتحقق هذا الهدف قبل مرور سنوات، ومن المتوقع أن تؤدي تداعياته إلى ظهور مشاكل عدة على المدى القصير نتيجة إغلاق الطرقات والجسور وخطوط سكك الحديد لإصلاحها.
في ما يخص مشروع قانون “إعادة البناء بشكل أفضل”، قد تزيد صعوبة تمرير هذا التشريع في الكونغرس بسبب معدلات التضخم الراهنة، حيث يدعم لاري سامرز ذلك التشريع، علماً أنه من أبرز الخبراء الاقتصاديين الذين يحذرون من تداعيات التضخم، لكن توضح تعليقات السيناتور جو مانشين في الفترة الأخيرة أنه لن يسارع إلى إعطاء الصوت رقم خمسين الضروري لتمرير القانون.
إذا كان مستشارو بايدن محقين في تقييماتهم، فقد يشهد عام 2022 تراجعاً في مستوى التضخم تزامناً مع تدفق السلع إلى المتاجر ومعارض السيارات، حيث يمتنع العملاء عن رفع كلفة السلع النادرة بعد حصولهم على كميات وافرة من الأموال النقدية، لكن تبقى هذه الأهداف مجرّد آمال لا حقائق مؤكدة.
اليوم، يبدو الموقف الذي أطلقه البيت الأبيض في الصيف الماضي حول الطبيعة “الانتقالية” لهذا التضخم غير مقنع، ولن يستفيد الرئيس، الذي يسجّل تراجعاً واضحاً في نسبة تأييده، من ارتفاع الأسعار أو شح السلع أو زيادة كلفة الوقود بدرجة فائقة في موسم عيد الميلاد المرتقب.
من الأفضل ألا يثق أحد بمواقف الجمهوريين التي تعتبر التضخم الراهن نتيجة لما سمّاه السيناتور ماركو روبيو “جنون اليساريين” الذين يديرون الحكومة، فقد كان ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمي كارتر قد تلقوا اللوم بالطريقة نفسها على ارتفاع أسعار النفط منذ عقود، فهذه المقارنة بالذات قد تريح بايدن والديموقراطيين عموماً، وربما نجح الحزب الحاكم في مرحلة تاريخية معينة في تحقيق نتيجة جيدة في الانتخابات رغم المخاوف التي أثارها التضخم، لكن التجارب السابقة تنذر بالفشل والتعثر عند النظر إلى الجزء الأخير من ثلاثة أرباع القرن الماضي.