المواطنون البريطانيون في سوريا ليسوا مشكلة الغير… ولكن لندن تتخلى عنهم
بقلم: بيل ترو
تسعى الحكومة إلى المصادقة على مشروع قانون يعفيها من ضرورة إبلاغ الناس بتجريدهم من جنسيتهم... وهو ما يشكل سابقة مرعبة
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
اكتشفت عائلة سارة، وهي أم بريطانية محتجزة في مخيم اعتقال في شمال شرقي سوريا، بمحض الصدفة، أن جنسيتها البريطانية قد سحبت منها، بعد سنة من حصول ذلك. وأخبرتني أن لا أحد من الحكومة تواصل معها أو مع أي من أقربائها لإبلاغها بهذا القرار الذي من شأنه تغيير مجرى حياتها للأبد. ولم يكتشفوا ما حدث سوى بسبب سؤال أحد أقربائها عن الموضوع وتلقيه الخبر المدمر [المروع].
التقيت سارة في الروج، المخيم المترامي الأطراف في شمال شرقي سوريا، حيث يحتجز الأجانب الذين لديهم روابط بما يدعى “داعش”. عاشوا جميعاً في كنف “دولة الخلافة”، وقالت سارة إنها لحقت بزوجها إلى الرقة. وليست الشخص الوحيد المحتجز في المكان الذي اكتشف عن طريق الصدفة أنه لم يعد بريطانياً. فلم تكتشف جدة أتت من شمال إنجلترا – ولا تعرف في الدعوى القضائية التي رفعتها سوى برمز دال 4 – تعيش في مخيم الاعتقال نفسه مسألة تجريدها من جنسيتها سوى بعد مرور عام على الحدث بعد أن حاول محاميها تدبير إعادتها إلى وطنها. وقيل له إن ذلك مستحيل لأنها ما عادت بريطانية.
ونجح طلب استئناف القرار في أغسطس (آب)، فحكمت المحكمة العليا بأن الحكومة تعدت سلطاتها القانونية بسحب جنسيتها البريطانية منها من دون علمها، ولكن هذه الحالة قد لا تظل سارية وممكنة لوقت طويل بعد، إذ تسعى الحكومة لتمرير مشروع قانون جديد يعفيها في بعض الحالات من إخطار المواطنين بسحب الجنسية منهم، إن اعتبرت السلطات مثلاً أنه يتعذر الاتصال بالشخص أو في حال اعتبار هذا التصرف “يصب في المصلحة العامة”.
وتقول الحكومة، إن هذا جزء من جهودها لمكافحة المجموعات الإرهابية مثل “داعش”. وقالت وزارة الداخلية لـ”اندبندنت”، “إن الجنسية البريطانية امتياز، وليست حقاً. ويستهدف الحرمان من الجنسية القائم على أسس صحيحة عن وجه حق الأفراد الذين يشكلون خطراً على المملكة المتحدة أو الذين يترتب على أعمالهم أذى كبير”.
ولكن المجموعات الحقوقية مثل “ريبريف” تحارب هذا الاتجاه الجديد إلى سحب الجنسية كما مشروع القانون الجديد، الذي سيسمح بحدوث ذلك بسرية إجمالاً. وتقول هذه المجموعات إن صياغة كلمات القانون مصممة بحيث تلحق “أكبر ضرر وصدمة ممكنة” على الشخص وأطفاله وعائلته كما تلغي فعلياً أي فرصة باستئناف الحكم لأن المهلة النهائية لتقديم طلب الاستئناف قد تنقضي قبل أن يعلم الفرد أساساً أنه ما عاد بريطانياً.
وتقلق هذه المجموعات بشكل خاص على النساء والأطفال في مخيم الروج. ونشرت “ريبريف” هذه السنة دراسة، وجدت أن أكثر من 60 سيدة بريطانية محتجزة في شمال شرقي سوريا وقعت ضحية الاتجار بالبشر الذي قامت به “داعش”. وإن حرمن من جنسياتهن من دون إعلامهن حتى، هذا يعني فعلياً بأن الاتجار بالبشر لن يعاقب، وقد يشجع التنظيمات الإرهابية على القيام بالأمر نفسه في المستقبل.
ولكن، حتى إن كانت الدولة تعتقد أن بعض الأفراد ارتكبوا جرائم، يجب في هذه الحال تطبيق عملية قضائية مناسبة بحيث يعادون إلى المملكة المتحدة للخضوع لمحاكمة حرة وعادلة. أما تجريدهم من جنسياتهم ورميهم في صحراء الشمال الشرقي السوري، فيسلب منهم حقهم في طرح قضيتهم والدفاع عن أنفسهم فعلياً، مما يجعلهم مذنبين بشكل تلقائي. كما يحولهم إلى مشكلة للغير.
قالت لي السلطات السورية الكردية التي تدير المخيمات مراراً وتكراراً، إنها لن تستطيع السيطرة إلى أجل غير مسمى على هذه المناطق الشاسعة التي تضم آلاف الرعايا الأجانب الذين تخلت عنهم بلدانهم. والوضع بالغ السوء تحديداً في مخيم الهول، المخيم الأكبر المشابه لمخيم الروج، حيث ترتفع حالات القتل والاعتداءات والابتزاز والحرق العمد فيما تصبح الأوضاع المعيشية أكثر تردياً. والأكراد قلقون من التطرف والعنف. وهم ليسوا مسؤولين عن مواطنينا.
وهذا يمثل كذلك عقاباً للأطفال العالقين مع أمهاتهم. ليس من الإنساني اقتلاع الأطفال من أحضان الأشخاص الذين يرعونهم لجلبهم إلى المملكة المتحدة وحدهم، إذ يجب إعادة العائلات باعتبارها وحدات لا تتجزأ، حتى لو يواجه أهلهم المحاكمة.
وقد يجعل هذا التوجه الأفراد بلا جنسية، ويعرضهم لأنواع القصاص التي ترفضها المملكة المتحدة بقوة. فلنأخذ شميمة بيغوم مثالاً، وهي من تقول عنها منظمة “ريبريف” إنها استدرجت عن طريق الإنترنت وشجعت على السفر إلى سوريا للالتحاق بـ”داعش”. أوضحت بنغلاديش بشكل لا لبس فيها أنها “لا تريد التعاطي معها إطلاقاً”، وقال وزير خارجيتها، إن بيغوم قد “تواجه عقوبة الإعدام” بتهمة الإرهاب إن دخلت البلاد.
وتشكل كل هذه الأمور مجتمعةً أسباباً تدفعنا للقلق من مشروع القانون هذا، فقد يصبح سابقةً خطيرة لنا جميعاً. ولا نعلم كيف يمكن استخدام هذه الصلاحية في المستقبل. كما يؤسس فعلياً ازدواجية معايير بالنسبة للجنسية البريطانية.
لا ينطبق هذا القانون سوى على الأفراد المولودين في المملكة المتحدة الذين يحملون جنسيتين، أو من يمكنهم المطالبة بجنسية ثانية. وفي هذه الحالة، أي في حالة النساء اللاتي التقيت بهن في مخيمات شمال شرقي سوريا اللاتي سحبت جنسياتهن منهن، وهذا يعني إجمالاً أنهن بنات مهاجرين، وهو ما يؤسس فعلياً نظام جنسية من الدرجة الثانية تخضع للشروط ويمكن سحبها بسهولة.
في الوقت الحالي، يعتبر تصرف المملكة المتحدة خارجاً عن السائد والمألوف، فحتى أقرب حلفائنا مثل الولايات المتحدة استردوا مواطنيهم لكي يحاكموهم، ويعيدوا تأهيلهم، ويعيدوا دمجهم بالمجتمع.
حتى من وجهة نظر أنانية بحتة، إنه أكثر أماناً بالنسبة للمملكة المتحدة أن نعيد مواطنينا إلى أرض الوطن ونتحمل مسؤولية ما حدث ونعيد تأهيل الناس ونتعلم من التاريخ حرصاً على عدم تكراره.
تحدثت وجهاً لوجه مع عدد كبير من النساء البريطانيات في المخيمات السورية، وأجريت مقابلات مع المتعاطفين المحليين والأجانب مع “داعش” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتقيت بأشخاص عاشوا في ما سمي “أرض الخلافة” أو في ظل حكم مجموعات “جهادية” أخرى، لا يسعني التشديد بما يكفي على التالي: إن إقصاء الأفراد والتخلي عنهم وعن أطفالهم في صحراء قاحلة بلا أمل ولا مستقبل لن يؤدي سوى إلى توليد مزيد من الكراهية والعنف والتطرف. هذا ليس صائباً، ولا يصب في مصلحة أي جهة كانت.