عنف بلا تبليغ.. نصف نساء لبنان بحاجة للحماية
النشرة الدولية –
الحرة –
بينما يعيش لبنان ذروة أزمته الاقتصادية التي تنعكس على الجانب المعيشي والاجتماعي للسكان، تتراجع أمامه باقي الأولويات الحياتية، وتصبح تفصيلا من تفاصيل المعاناة الكبرى، التي يرزح المجتمع ككل، والأفراد فيه، تحت وطأتها.
يأتي ذلك فيما لبنان لا يزال يعاني من تأثيرات فترة الحجر الصحي، التي رافقت انتشار جائحة كورونا، وما خلفه ذلك من انعكاسات على سلوك الأفراد والمجتمع، إذ أظهرت دراسات عدة تأثيرات الحجر على ارتفاع نسب العنف المنزلي، الذي غالبا ما يستهدف النساء والأطفال، وهو ما يزداد حدة بفعل الصعوبات المعيشية التي تعاني منها العائلات اللبنانية.
وفيما يحتفل العالم، في 25 من نوفمبر من كل عام، باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تطلق هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، حملة الـ 16 يوما من الأنشطة لمكافحة هذا العنف، أطلقت منظمة “أبعاد” في لبنان بالمناسبة، حملة “#دايما_وقتها” التي تسلط الضوء على قضية حماية النساء والفتيات في لبنان، للتشديد على أهمية إيلاء هذه القضيّة الاهتمام المطلوب في ظل الأزمات المتتالية التي تعاني منها البلاد.
وفي سياق الحملة، التي تشجع النساء والفتيات على طلب المساعدة عبر الاتصال والتبليغ عن العنف الذي يتعرضن له، تنشر “أبعاد” دراسة (حصل موقع “الحرة” على نسخة منها) حول أولويات الفتيات والنساء في لبنان اليوم، ومدى شعورهن بالحاجة الى الحماية. وذلك لتبين مدى لجوء النساء اللواتي يتعرضن للعنف للتبليغ، وتحديد الجهات التي يلجؤون اليها، إضافة إلى أسباب امتناع النساء عن التبليغ.
الدراسة التي أجرتها شركة Statistics Lebanon ltd بتكليف من “أبعاد”، شملت 1800 امرأة وفتاة شابّة، تم الاتصال بهن عبر الهاتف، تراوحت أعمارهن ما بين 18 و55 سنة. يتوزعن على مختلف المناطق اللبنانية، ومن مختلف المستويات الثقافية، ومن مختلف فئات الدخل، كما توزعت العينة على السكان المقيمين بما يتناسب مع الكثافة السكانية في المناطق، إذ شملت: 1200 فتاة وسيدّة لبنانية، 400 فتاة وسيدّة سورية و200 فتاة وسيدّة فلسطينية.
الأزمة الاقتصادية أبرز الأولويات
تنعكس آثار الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان على أولويات النساء والفتيات، وقد ظهر ذلك جليا في نتائج الدراسة، حيث أن ثلاث من كل خمس نساء في لبنان يعتبرن أن التحديات الاقتصادية هي أبرز ما يواجه النساء والفتيات في الوقت الحالي.
واعتبر 62.4 بالمئة من العينة المستطلعة أن التحديات الاقتصادية هي في قائمة التحديات التي يواجهنها، تليها التحديات الاجتماعية بنسبة 22.6 بالمئة، والتحديات النفسية 11.6 بالمئة. فيما جاء الغذاء والدخل في سلم أولويات الفتيات والنساء في لبنان بنسبة 46.3 بالمئة.
وتقول إحداهن، بحسب الشهادات المقدمة في الدراسة إن “أهم أولوياتي اليوم كامرأة لبنانية أن تحصل عائلتي على الغذاء وأن أستطيع تأمين الدواء الخاص بي والذي أصبح ثمنه باهظا جدا”.
وتضيف سيدة أخرى “لقد نسينا أنفسنا في هذه الأوضاع، وأصبحنا نتجاهل أولوياتنا كنساء لأننا محطمات نفسيا ونعاني من عدم الاستقرار، النساء يحملن الكثير من المسؤوليات في هذه الأوقات”.
سوء الأوضاع الاقتصادية ينعكس سلبا على الأوضاع داخل العائلات اللبنانية، وقد انعكس ذلك أيضا على النساء بشكل خاص بحسب العينات المستطلعة، وزاد من تعرضهن للعنف المنزلي، وفق الشهادات التي أظهرت أن “العنف الاقتصادي” هو أكثر أنواع العنف الذي تعرضن له. وتقول إحدى السيدات “لقد أصبحنا نعاني جديا من صعوبة تأمين الحاجات الأساسية لأطفالنا كالحليب واللباس. مما يسبب لنا الضغط النفسي والتوتر بشكل دائم ويؤدي في بعض الأحيان إلى عنف متواصل”.
“الحماية”.. مطلب مُلِحّ
ونتيجة لازدياد نسبة العنف في زمن الأزمة، تشكل “الحماية” أولوية لحوالي نصف النساء والفتيات اللواتي شملتهن الدراسة بنسبة 47.9 بالمئة، حيث أجابت امرأة من أصل 2 بـ “نعم” على سؤال إذا ما كانت “الحماية” يجب أن تشكل أولوية بالنسبة لهن، 94.7 بالمئة منهنّ أكدّن أنهنّ بحاجة إلى الحماية خارج المنزل في لبنان.
وحلّت الحماية في المرتبة الثانية 18.8 بالمئة على سلم أولويات الفتيات والنساء في لبنان، إذ تبين أن امرأة من كل خمس نساء ترى أن أولويتها في الوقت الحالي هي “الحماية”.
وهذه النتيجة تأتي انعكاسا لارتفاع نسب العنف ضد النساء بكافة أنواعه في لبنان، والذي تبعده الأزمة الاقتصادية عن واجهة التحديات في المجتمع. وفي هذا السياق تقول مديرة منظمة أبعاد، غيدا عناني “نحن نفهم تماما أن الواقع الحالي في لبنان هو صعب على الجميع، وأن الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلد تلقي بكاهلها على المواطنين والمواطنات من دون استثناء، ولكن ذلك لا يعني أن تصبح حماية النساء في آخر سلم الأولويات في الوقت الذي تشير فيه جميع الاحصاءات والدراسات والمقابلات مع صاحبات الحق التي نقوم بها الى ارتفاع نسب العنف بكافة أنواعه بشكل كبير”.
وتضيف عناني “لقد تلقينا خلال هذا العام ما يعادل 314 اتصالا شهريا على الخط الآمن للمساعدة الطارئة للتبليغ عن العنف في وقت تحجم كثير من النساء والفتيات الشابات في لبنان عن التبليغ عمّا يتعرضن له من عنف بسبب ترتيب الأولويات الحاصل في العائلة والذي يعرّض حياتهن للخطر الكبير.”
عنف بلا تبليغ
وكان لافتا جدا في نتائج الدراسة، الانخفاض الكبير بنسبة النساء والفتيات اللواتي بلَّغن عن تعرضهن لأي نوع من أنواع العنف، وذلك على الرغم من الارتفاع في عدد التبليغات التي ترد لقوى الأمن الداخلي عبر الخط الساخن (1745).
12.7بالمئة من الفتيات أو النساء اللواتي شملتهن الدراسة أعلن أنهن تعرضن لنوع من أنوع العنف على الأقل خلال هذا العام. والعنف اللفظي هو أكثر أنواع العنف الذي تعرضت له النساء والفتيات في لبنان. حيث أن 9.8 بالمئة من الفتيات أو النساء اللواتي شملتهن الدراسة أعلنَّ أنهن تعرضن لنوع من أنوع العنف المنزلي.
وقد تبين أن التوجه الأكبر لدى الفتيات والنساء هو عدم التبليغ عن أي عنف يتعرضن له، سواء كان منزليا أو خارج المنزل، حيث تظهر الدراسة أن 96.0 بالمئة من الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للعنف المنزلي في لبنان، لم يبلِّغن عن هذا العنف خلال العام 2021، فيما تسع نساء من كل 10 من كل من اللواتي تعرضن لأي نوع من أنواع العنف لم يبلغن عن هذا العنف.
يأتي هذا الواقع نتيجة لأسباب عدة رصدتها الدراسة، أبرزها غياب الثقة سواء من إمكانية الوصول إلى نتيجة 27.1 بالمئة، أو التعامل مع الأمر بجدية من قبل المعنيين 22.4 بالمئة. وكان من بين الأسباب أيضا الخوف من التعرض للرفض، سواء من المجتمع 23.3 بالمئة، أو رفض العائلة للأمر 13.8 بالمئة، فيما عبر 14.3 بالمئة عن الخوف من ردة فعل الجاني في حال التبليغ، كما كان لافتا أن 14.7 بالمئة لم يبلغن بسبب “الخشية من خسارة الأطفال”.
وجاء سبب نقص المعرفة حول الجهات التي يمكنها المساعدة بنسبة 12.4 بالمئة، بينما عبر 11.9 بالمئة عن استسلامهن وتقبلهن للواقع من دون اتخاذ أي إجراءات، وينتظر 5.2 بالمئة منهن مغادرة لبنان للتبليغ عما تعرضن له، فيما يرى 11 بالمئة من العينة المستطلعة أن التبليغ عن تعرضهن للعنف ليس أولوية، بسبب الوضع الحالي في البلد.
اللجوء إلى الدولة ضعيف
من أصل 10 نساء بلَّغن عن العنف، واحدة فقط لجأت الى الجهات الأمنية والقضائية، حيث تظهر الدراسة أن 6.25 بالمئة، فقط من اللواتي بلغن عن تعرضهن للعنف، لجأن الى قوى الأمن الداخلي، و6.25 بالمئة لجأن إلى السلطة القضائية، أما الغالبية فقد لجأن إلى العائلة بنسبة 42.9 بالمئة.
وقد تبين أن نسبة المعرفة بما يتعلق بتقديمات منظمات حقوق المرأة أتت مرتفعة أكثر من المعرفة بالخط الساخن لقوى الأمن الداخلي، المخصص لهذا النوع من الشكاوى، لكن وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك حوالي نصف الفتيات والسيدات اللواتي شملتهن الدراسة لا يعرفن بكل هذه التقديمات.
وبحسب الدراسة، فإن 17.7 بالمئة من الفتيات والنساء فقط، سبق أن سمعن برقم الخط الساخن 1745 التابع لقوى الأمن الداخلي، علماً أن 62.9 بالمئة منهن لا يعرف لأي نوع من الشكاوى يعود هذا الرقم. كما أن 51.8 بالمئة من الفتيات والنساء اللواتي شملتهن الدراسة يعتبرن أن القانون اللبناني يجرم العنف الأسري، مقابل 43.6 بالمئة اعتبرن أنه لا يجرّمه، و4.6 بالمئة اخترن إجابة “لا أعرف”.
وعبرت 51.9 بالمئة من الفتيات والنساء، اللواتي شملتهن الدراسة، عن عدم علمهن بأن منظمات حقوق المرأة لديها مساكن وخطوط ساخنة لمساعدة النساء والفتيات ضحايا العنف في لبنان، فيما أجاب 11.1 بالمئة فقط بأنهن قد يتصلن بالخط الساخن في حال كنَّ ضحية عنف.
“يجب علينا التبليغ عن العنف والدفاع عن أنفسنا”، تقول إحدى السيدات، وتضيف “لكن المشكلة أن بعض الجهات الرسمية والقضائية تأخذ معاناتنا بعدم جدية ولا تعالج قضايانا بالسرعة الملحة المطلوبة”. وفي هذا السياق تقول عناني إن “حماية النساء والفتيات الشابات هي حق لهن وواجب علينا جميعا، والمطلوب اليوم الجديّة التامة والاعمال بمبدأ العناية الواجبة في استجابة الدولة لهذه الاشكالية وقائيًا وخدماتيًّا”.
إحصاءات قوى الأمن
ورغم النتائج السابقة، فقد جاءت أرقام قوى الأمن الداخلي فيما يخص عدد اتصالات شكاوى العنف الأسري الواردة الى الخطّ الساخن 1745 مرتفعة نسبيا، فلغاية نوفمبر من العام 2021 بلغ عدد شكاوى العنف الأسري المقدمة 1184 شكوى، بينها 677 هي للتبليغ عن تعنيف زوجي (58 بالمئة)، فيما سجل1056 من أصل 1184 شكوى جاءت للتبليغ عن تعنيف جسدي.
و57 بالمئة من بلاغات العنف الأسري قدمتها النساء المعنفّات أنفسهنّ، مقابل 40 بالمئة قام بها أفراد الأسرة و/أو الجيران. وفي هذا السياق ترصد الدراسة طريقة التعامل مع حالات العنف التي تتم مشاهدتها في المجتمع، حيث أن 10.7 بالمئة من الفتيات والنساء اللواتي شملتهن الدراسة يعرفن امرأة أو فتاة تعرضت للعنف خلال هذا العام، فيما 6.7 بالمئة منهن فقط قد بلَّغن عن هذا العنف.